الأحد، 11 نوفمبر 2012

البخارى ومسلم من أعظم العلماء فى إخراج الأحاديث لكنهما بشر يصيب ويخطئ




إسلام بحيرى رئيس مركز الدراسات الإسلامية بـ«اليوم السابع»
 
«ليست محاولة للتشكيك فى البخارى ومسلم» هذا هو العنوان الذى نشرته «اليوم السابع» فى عددها الأول, ورغم أنى لست من كتب هذا العنوان, بل هو مما استنبطه الزملاء الأعزاء القائمون على ذلك مما كتبت, إلا أننى قد أعجبت بالعنوان أيما إعجاب، وقلت لعله ينقذنا وينقذنى من سيل اتهامات متوقع لكل باحث حاول رد أحاديث فى البخارى أو مسلم, وبعد ذلك عمدت فى ثنايا المقالات السابقة إلى ذكر الكثير من الاستدلالات التى تؤكد أن تضعيف حديث فى كتابى البخارى ومسلم أمر جائز وطبيعى يخضع لأساليب النقد العلمى ولا يؤدى لكفر ولا فسوق ولا عصيان, ورغم ذلك كله فقد نالتنا ولاحقتنا الاتهامات المتوقعة للدفاع عن البخارى ومسلم لمجرد منازعتهما بتضعيف أحاديث وردت فيهما, وعندها سألت نفسى: ألهذا الحد أصبح العقل المسلم يقدس بشرا ممن خلق الله، ويعصمه من الزلل والخطأ العارض أو المنهجى؟! ولأن شيوخ الضلال صوروا للناس أن كتابى البخارى ومسلم هما القرآن الثانى وأن الأمة فى السلف والخلف اجتمعت على صحة كل حرف فيهما, رغم أن ذلك لا يصح شرعا ولا عقلا, لذا فإن هذه المقالة مهداة للعقول المظلمة المغيبة التى تخلط المفاهيم وتشتم وتسب وتُكَفِّر بلا أدنى أثارة من علم، ولا طرف من دليل, ونبدؤها بالتأكيد على عدة حقائق هامة يجب توضيحها:

1- لا يجب تصديق الكاذبين الذين يدَّعون أن من يُضعِّف ولو حديثا واحدا فى كتابى البخارى أو مسلم إنما يسعى لهدم السُنَّة, لأن ذلك القول هو أكذب الكذب, فإن السنة الفعلية والقولية بكل أنواعها ثابتة كالجبل الراسخ لا يمكن لأحد أن يهدمها أو يشكك فيها, وثباتها الذى نقصده يتخطى بمراحل كتاب البخارى أو غيره, لأن البخارى ولد عام 194 من الهجرة فهل ضاعت السُنَّة وضاع الإسلام قرنين من الزمان من قبل ولادته؟ لا بل كان الإسلام قرآنا ثابتا وسنة صحيحة منقولة قبل البخارى وبعده, فلا يخلطن الكذابون بين تضعيف حديث فى البخارى وبين هدم السُنَّة النبوية، فمال هذا وتلك؟ وكيف للسُنَّة المحمدية بعلو شأنها أن يهدمها تضعيف حديث فى كتاب من صنع البشر! ولو أن ذلك يهدم السُنَّة فهم إذن يتحدثون عن دين هش أوهى من بيت العنكبوت, وما الإسلام العظيم كذلك أبدا, لذا فلا يجب على العقلاء الخلط بين السُنَّة بكامل مفهومها وبين كتابى والبخارى ومسلم.

2- يجب على العقلاء التخلص من آفة فكرية هامة عند الكلام عن هذين الكتابين على عظيم قدرهما, وهى آفة التعامل معهما كالقرآن العظيم من حيث الرفض والقبول, فلا يجب أن نعتقد بأى حال وتحت أى ظرف أن كتابى البخارى ومسلم هما باقة كاملة مثل القرآن فإما قبولهما جميعا أو ردهما جميعا وأنه لا خيار ثالث أمامنا, فذلك فهم عليل وقول مردود, لأن القرآن الكريم وحده هو الذى إذا ما رُدَّ منه ولو آية واحدة فكأنه رُدَّ جميعا وكُفِرَ به, ولكن كتابى البخارى ومسلم ليسا كذلك, فيجوز عقلا وشرعا رد بعض ما أخرجاه بالدليل وقبول البعض الغالب, وذلك لأن ما تضمناه بين دفتيهما إنما هو ما اجتهدوا وظنوا قدر جهدهم أنه من كلام وأفعال وأيام رسول الله, وذلك لا يعنى بالضرورة أن كله على إطلاقه صحيح لأنهم بشر يمر بهم الخطأ العارض كالسهو, ويعتريهم كذلك الخطأ المنهجى.

3- لا يعتقدن أحد بأن تضعيف أو المنازعة بتضعيف حديث فى كتابى البخارى ومسلم إنما يعد كما يروج الجهلاء تكذيبا لرسول الله, فهذا محال من كل وجه, فنحن لو رأينا وسمعنا رسول الله يأمرنا لسجدنا تحت أقدامه مذعنين لأمره, ولكن الحال مع ما جُمع فى الكتب يختلف عن ذلك, لأن الكلام تناقلته أجيال متطاولة لم يكونوا بالصدق ولا النزاهة والكفاءة ولا حتى الذاكرة التى تجعلنا نتيقن أن هذا الكلام أو الفعل صدر عن رسول الله إلا بالدليل, لذا فإننا حين نُضعِّف حديثا عند البخارى أو مسلم, إنما نحن نُكذِّب من نقل عن رسول الله أو حكى عنه أو عليه, ولسنا نُكذِّب المصطفى ولا نستطيع وحاشانا أن نفعل.

4- كما يجب التوضيح أنه ليس كل ما بين دفتى البخارى ومسلم كلاما قاله الرسول أو فعله أو ما يعرف فى علم مصطلح الحديث أنه حديث «مرفوع لرسول الله» بمعنى أنه هو الذى قاله أو فعله, بل البخارى ومسلم وكافة المسانيد والسنن, تمتلئ بالأحاديث الموقوفة-التى تنتهى إلى صحابى -وحتى لو كان الحديث مرفوعا للرسول جاز للباحثين من خلال التقيد بقواعد القبول والرد أن يتعقبوا المتون -النصوص- والأسانيد ولا ملامة فى ذلك ولا معيب.

5- يجب إعادة تدوير وفهم الألفاظ المشهورة التى اخترعها شيوخ الضلال وأشهرها كلمات «الطعن والتشكيك», لأن هذه الألفاظ ألصقت زورا وجهلا بمن يُضعِّف حديثا فى البخارى أو مسلم رغم أن ذلك لا طعنا ولا تشكيكا, فأما الطعن فهو أن يطعن أحدهم مثلا فى شرف أو نسب أو عقيدة البخارى فهذا هو الطعن الذى نعلمه, ومثل ذلك ما وقع بين الإمام الذهلى وبين البخارى وكان بينهما ما كان, أما كلمة «التشكيك» فالتشكيك الذى نعلمه أن يخرج باحث ليشكك فى الأصول التى استقرأها العلماء حول الشروط التى وضعها لنفسه البخارى أو التى كتبها مسلم فى مقدمة كتابه لقبول الرواية, وذلك للتشكيك فى أصل جمع البخارى أو مسلم للأحاديث, فذلك هو التشكيك الحق, أما رد أحاديث بعينها عندهما فليس بطعن ولا تشكيك كما أشاع الجهلة هذه المصطلحات المكذوبة حتى باتت وكأنها الحقيقة.

6- والحقيقة تقول إن البخارى ومسلم من أجَلِّ علماء هذا العلم, وكانا أكثر المتقدمين والمتأخرين من العلماء عناية وحرصا فى إخراج الحديث الصحيح وهذا ما يشهد به كل العقلاء, ولكن ذلك أيضا لا يخرجهما عن كونهما بشرا ممن خلق يأكلان الطعام ويمشيان فى الأسواق, فلا يصح أن يكون كتاباهما قرآنا منزلا من فوق سبع سماوات, بل الحق أن أكثر ما أخرجاه من الصحيح وأقله من الضعيف المردود لمخالفته القرآن والسنة والعقل, لذا فإننا نعتقد أنه قد آن أوان تفعيل المقولة الخالدة لإمام دار الهجرة الإمام مالك: «كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر» ولا شك أن البخارى ومسلم داخلان تحت لواء هذا الكل الذى قصده الإمام مالك.

7- استكمالا للمفاهيم المغلوطة فقد فاجأنى الدكتور عبدالمهدى عبدالقادر رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين, فى الحلقة التى جمعتنى معه فى تلفزيون أوربت بقول أضحكنى وأبكانى فى آن, فقد قال جازما «إن كتاب البخارى معصوم من الخطأ» واستشهد بآية: «وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا» النساء 115, على اعتبار أن من ضَعَّف حديثا فى البخارى فهو قد خرق الإجماع, وسبيله إلى النار حتما, وذلك الاستدلال من أبطل الباطل، فالآية بالأساس لا علاقة لها بالإجماع أبدا, ثم لو تأولناها على ذلك لكان كل من خالف الإجماع حتى الفقهى مآله إلى نار جهنم وذلك ما لم يقل به حتى الشافعى صاحب المذهب ومخترع الإجماع, ولعلمى التام أن وهم الإجماع هذا إن اعتبرته دليلا- على البخارى ومسلم لم يحدث أبدا على مر العصور فقد ولَّد ذلك عدة أسئلة طرحت نفسها ووجب الإجابة عنها.

السؤال الأول الذى يطرح نفسه: هل وقعت بعض الأخطاء المنهجية فى البخارى ومسلم مما يجرى على البشر؟
بالطبع نعم.. ومنها:
1- أخرج البخارى «2661» فى حديث الإفك عما كان من وقعة فى المسجد بين الأوس والجزرج «فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه: إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك». والمعروف إجماعا أن سعدا بن معاذ كان قد استشهد قبل واقعة الإفك وذلك بعد وقعة الخندق فى السنة الخامسة من الهجرة, كما أنه لا شك أن واقعة الإفك التى يذكرها البخارى كانت بعد وقعة بنى المصطلق فى السنة السادسة، لذا فإن البخارى أورد فى القصة قول الصحابى الجليل سعد بن معاذ وكان قد استشهد قبل الواقعة بعام على الأقل, وقد رد على البخارى هذا الخطأ الكثير من العلماء وجاء فى زاد المعاد (3/237-238): «فإن سعدا بن معاذ لا يختلف أحد من أهل العلم أنه توفى عقيب حكمه فى بنى قريظة عقيب الخندق, وذلك سنة خمس على الصحيح وحديث الإفك لا شك أنه فى غزوة بنى المصطلق هذه وهى غزوة المريسيع والجمهور عندهم أنها كانت بعد الخندق سنة ست».

ومعنى هذا أن البخارى وَهِمَ فى ذلك، والغريب أنه قد ورد عن عدد من الشراح أن الخندق وقعت بعد وقعة بنى المصطلق وذلك لحل إشكال رواية البخارى, فسبحان الله حتى التاريخ يمكن تغييره لإثبات عدم وقوع البخارى فى خطأ بشرى, بل الحق أن جمهور الأئمة على صواب وأن البخارى ليس على صواب, وأغلب ظنى أن الله أجرى هذا الخطأ على البخارى ليعيده إلى بشريته عند مقدسيه، وليعلم الجميع أنه ما تم على الكمال إلا كتاب الله المعصوم فقط.

2- أخرج البخارى «7517» حديث الإسراء الشهير عن شريك بن عبد الله:» أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم فى المسجد الحرام».
وهذا وهم من أوهام البخارى, ورده الكثير من العلماء بدون أن يُتَّهموا أنهم طعنوا فى البخارى, لأن الثابت الذى لا خلاف فيه أن الإسراء لم يكن قبل نزول الوحى على الإطلاق, وكذلك فإن فرض الصلاة كان بعد الوحى بلا شك, حتى إن العلماء عدوا اثنى عشر خطأ فى هذا الحديث الذى أخرجه البخارى, وقال النووى فى شرح مسلم (2/209): «وقد جاء فى رواية شريك فى هذا الحديث فى الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء، منها قوله: وذلك قبل أن يوحى إليه، وهو غلط، لم يوافق عليه»، وهذا وهم أخرجه البخارى وذلك ليس تنقصا منه، ولكن لأنه بشر يصيب ويخطئ.

3- أما فى كتاب مسلم فقد أخرج «2501» من حديث عكرمة عن حوار دار بين النبى الكريم وبين أبى سفيان بعد إسلامه بعد الفتح أنه قال للنبى: «عندى أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبى سفيان، أزوجكها», وهو وهم من أوهام مسلم لأن الذى لا يشك فيه عاقل أن النبى تزوج «أم حبيبة بنت أبى سفيان» قبل فتح مكة بعام كامل فكيف يعرض أبو سفيان على النبى الزواج من زوجته, لذا فقد خطَّأ العلماء «مسلما» بدون خوف ولا اضطراب لعلمهم أيضا أنه بشر يصيب ويخطئ, كما جاء فى زاد المعاد (1/107): «فهذا الحديث غلط لا خفاء به قال أبومحمد بن حزم: وهو موضوع بلا شك وقال ابن الجوزى فى هذا الحديث هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه». ولو نظرنا قليلا لوجدنا أن أبا محمد بن حزم قال إن الحديث موضوع وليس ضعيفا فقط, ولم ينكر عليه أحد ولم يقل أحد إنه يطعن فى مسلم أو يهدم السُنَّة وذلك لأن الحق أحق أن يتبع.

4- البخارى نفسه رد حديثا فى كتاب مسلم الذى أخرجه «2789»: «خلق الله، عز وجل، التربة يوم السبت» وقال البخارى فى «التاريخ الكبير» (1/413): «إنه لا يرفع للنبى بل هو من كلام كعب الأحبار» وعلل البخارى ذلك بأن أيام خلق الأرض ستة وليست سبعة كما جاء فى الحديث ورد هذا الحديث أيضا «على بن المدينى», ولم يقل أحد أن هؤلاء طعنوا فى مسلم, والجدير بالتأمل أن البخارى رد الحديث دون النظر لإسناده ولكن لمجرد مخالفة المتن -النص- للقرآن الكريم, وهذا ما يؤصل المنهج الذى نسعى إليه, بل إن البخارى اتهم مسلما بطريق غير مباشرة أنه وضع الإسرائيليات فى كتابه.

5- ومسلم نفسه قد تكلم فى مقدمة كتابه عن شرطه فى قبول الرواية, وألمح عن رفضه لشرط البخارى بكلام شديد, يعلمه كل دارس وباحث ومع ذلك لم يقل أحد إن مسلما يطعن فى البخارى ولكنه خلاف علمى لا أكثر, ليس فيه ولا نتاجه جنة ولا نار.

أما السؤال الثانى الذى يطرح نفسه: هل ضَعَّف أو رد أو أعلَّ أحد من العلماء أحاديث فى كتابى البخارى ومسلم؟
والرد: نعم.
وذلك كما قلنا ليس تنقصا منهما، ولكن لأن ما اجتهدا فى جمعه قدر استطاعتهما يظل جهدا بشريا لا يصل للكمال أبدا ولا يتصف بالعصمة كما يزعمون, ولذلك فقد أجمع العلماء على صحة أغلب أو جمهور الأحاديث المخرجة فى البخارى ومسلم, ولكن الإجماع على كل حرف فيهما هو إجماع كاذب ادعاه المتأخرون من شيوخ الضلال ونذكر هنا طرفا من هؤلاء العلماء الذين انتقدوا أحاديث فى البخارى ومسلم:

1- العلماء الأوائل: «أحمد بن حنبل - على بن المدينى - الدارقطنى - الشافعى - البخارى (انتقد مسلما كما ذكرنا) - أبوحاتم الرازى - يحيى بن معين - ابن عمار الشهيد - الجيانى - ابن تيمية - ابن القيم - أبو زرعة الرازي - الترمذى - العقيلى -النسائى -أبوبكر الإسماعيلى - وابن مندة البيهقى - أبو الفضل الهروى - وابن الجوزى - ابن حزم - ابن عبد البر - أبو مسعود الدمشقى - الجصاص (الفقيه الشافعى الذى قال عن حديث سحر النبى إنه من وضع الملحدين). كل هؤلاء وغيرهم انتقدوا أحاديث فى البخارى ومسلم, ولم أر من قال إن هؤلاء طعنوا فى البخارى ومسلم ولا من قال إنهم يريدون هدم السُنَّة, بل هو البحث عن الحقيقة والنقد العلمى الذى لا يبتغى غير مرضاة الله وتنقيح ما جاء عن النبى.

2- أما من المعاصرين ومن سبقهم الذين انتقدوا وضعَّفوا أحاديث فى كتابى البخارى ومسلم: «محمد عبده - محمد رشيد رضا - محمد الشنقيطى الجكنى (فى كتابه مجالس مع) - الشيخ محمد الغزالى - ابن عثيمين»، أما الألبانى الذى يلقبونه بمحدث الزمان, فقد ضعَّف أكثر من عشرة أحاديث فى كتاب البخارى, وضعَّف بعض رجال البخارى وكذلك ضعَّف وتعقب الألبانى الكثير مما أخرجه مسلم فى كتابه, ولا أريد أن أفصل فى هذه المسألة أكثر من ذلك, فهل كل هؤلاء طعنوا فى البخارى ومسلم؟ وأرادوا هدم السُنَّة؟ بل منهم من نافح ودافع عن العقل والحرية فى دين الله, وحاول قدر جهده أن ينقح ما لا يُقبل شرعا ولا عقلا مثل: الأستاذ الإمام محمد عبده، والشيخ الجليل محمد رشيد رضا، وشيخ العقل والتنوير الإمام محمد الغزالى رحمهم الله رحمة تليق بجلاله وبما قدموه من خير للإسلام.

أما السؤال الثالث فهو: هل أخرج البخارى ومسلم فى كتابيهما أحاديث متنها منكر واضح النكارة؟
بالتأكيد نعم.. وسأعطى مثالا واحدا على ذلك وكفى به:
أخرج البخارى حديثا لا يقبله الشرع ولا يصدقه إلا المجانين من ظاهرى الجنون وهو الحديث الشهير فى البخارى «3849» وهو حديث معلق ومقطوع عن التابعى المخضرم عمرو بن ميمون قال: «رأيت فى الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة، قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم».
وهذا الحديث منكر المتن -النص- لا يقبله عاقل ولا حتى مجنون, وقد أنكره على البخارى كثير من العلماء قديما وحديثا, ولكن العجيب أن مقدسى البخارى أخذوا يتنطعون بتكلف ممجوج وأحمق لتصحيح هذه الخرافة بل وصل بهم القول إنهم قالوا «لعل هؤلاء القردة الذين رجموا القردة الزانية كانوا من اليهود الذين مسخهم الله»، والحقيقة أن من مسخه الله على حق هو من يقبل هذا التبرير, ومن أمثلة ذلك الذى لا يُقبل عقلا ولا حتى شرعا ثُلة من أحاديث البخارى ومسلم والتى ردها الكثير من المعاصرين.

إذن.. ماذا نريد القول من كل ذلك؟
نريد أن نؤكد على ما ابتدأنا به المقالة أن كتابى البخارى ومسلم من أجلِّ الكتب فى هذا العلم, ولا شك أنهما يفوقان كل التصانيف الأخرى التى صُنفت، ولكن ذلك لا يغير من بشريتهما شيئا، وأنهما يؤخذ منهما ويرد, وأنهما اجتهدا قدر استطاعة البشر وليس أكثر, لذا فإن مقولة إنهما أصح كتابين بعد القرآن مقولة فيها غلو وتكلف, بل الحق أنه ليس بعد القرآن شىء والأصوب أن نقول إنهما أصح كتابين أُنجزا فى هذا العلم قاطبة ولا يمنع ذلك أن يُظهر الباحثون الضعف فى بعض أحاديثهما وإن كثرت. لذا فقد وجب التأكيد ثانية على عدم الارتباط الشرطى بين تضعيف أحاديث فى كتابى البخارى ومسلم وبين الاتهامات السطحية من هدم للسنة وطعن وتشكيك والتى يطلقها بعض من يدعون أنهم أثريون وعلماء للحديث.

وأخيرا.. فإنه لا عصمة من الخطأ والزلل إلا لكتاب الله العزيز وما عداه فهو اجتهاد بشر له أجران إن أصاب وأجر إن أخطأ, فالعقلاء الذين يضعون كتابى البخارى ومسلم فى منزلتهما اللائقة يعرفون جيدا أنهما لا يسلمان من البحث العلمى والأكاديمى مع الاعتراف بجليل فضلهما فى جمع ما صح لديهما من أحاديث, أما الذين صنعوا منهما آلهة فوق النقد فأقول لهم إنها آلهة من العجوة, فإذا كانت غيرة الجهلاء على البخارى ومسلم أكثر من غيرتهم على دين الله وكتابه ورسوله فإليهم أقول: فلتتحملوا لأن القادم عليكم أدهى وأمر, ومادامت محاولاتنا لمحو بصمة الجهل من على وجه ديننا الحنيف ودحض سطور الإساءة لنبينا تمثل عذابا لكم.. فأبشركم بأنها رحلة عذاب لا ينتهى.

مفهوم الدوله

مناظرة ساخنة بين صفوت عبد الغنى عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية وإسلام بحيرى الباحث السياسى حول الدولة الدينية والمدنية والمبادئ فوق الدستورية وأسباب تراجع الجماعة عن فتوى تحريم العمل الحزبى

الإثنين، 29 أغسطس 2011 - 13:46
إسلام بحيرى والشيخ صفوت عبد الغنى إسلام بحيرى والشيخ صفوت عبد الغنى
محمود سعد الدين - تصوير محمد نبيل
Add to Google
جرت مناظرة بين الدكتور صفوت عبد الغنى عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية ووكيل مؤسسى حزب البناء والتنمية والدكتور والباحث الإسلامى إسلام بحيرى عن الدولة الدينية والدولة المدنية والمبادئ الأساسية لقيام كل منهما.

المناظرة جاءت على هامش الندوة التى عقدتها "اليوم السابع " لـ 8 من قيادات الجماعة الإسلامية على رأسهم حمدى حسن، وعزت السلامونى ومحمد حسان، وإسلام الغمرى بمناسبة تقديم أوراق الحزب الجديد إلى لجنة شئون الأحزاب ومن ثم المشاركة رسميا فى الحياة السياسية المصرية والانخراط وسط الفصائل المختلفة.

تضمنت المناظرة نقاشا جادا بين عبد الغنى وبحيرى حول المبادئ فوى الدستورية ومفهوم الدولة فى الإسلام والضمانات التى تقدمها الجماعة الإسلامية للشعب المصرى فى حال السيطرة على الحكم وكذلك جوانب فكرية أخرى تتعلق بعقيدة الجماعة الإسلامية ودخولها الحياة السياسية فى الوقت الحالى بعد سنوات طويلة من المقاطعة على خلفية فتوى لتحريم العمل الحزبى وكذلك قضية الشريعة الإسلامية والمطالبات، فضلا عن نظرتهم للمرأة والأقباط وصندوق الانتخابات الذى التزموا بتنفيذ نتيجته حتى لو كان مخالفا لعقيدتهم الأساسية.


**إسلام بحيرى: كيف عادت الجماعة الإسلامية عن تحريم العمل الحزبى والسياسى وما الذى تغير فى المرجعية الدينية لكى يصبح العمل السياسى والحزبى مباحا؟
_ صفوت عبد الغنى: الدخول إلى مجلس الشعب أو المجالس التشريعية فى النظام السابق كان من المستحيلات، لذلك صدرت الفتاوى التى تحرم العمل السياسى طالما أن إمكانية التغيير كانت مستحيلة؟

**إسلام بحيرى: هل تقول إن فتاوى تحريم العمل السياسى فى الجماعة الإسلامية كانت فقط لأن آليات الدخول إلى مجلس الشعب كانت مستحيلة؟
- صفوت عبدالغنى: بالطبع لأن الفتاوى لها ركنان، النص والواقع، وكان الواقع مستحيلا.

** إسلام بجيرى: ولكن يا دكتور صفوت ما أنا متأكد منه ودرسه الجميع أن مناط التحريم فى هذه الفتاوى كانت مناطا مختلفا تماما عما تقول لأن التحريم كان يستند لنصوص دينية وليس الواقع؟
- صفوت عبد الغنى: أقول لك إنى ممنوع من الدخول للمجالس التشريعية وإذا حاولت كان سيقصينى التزوير ولذلك صدرت هذه الفتاوى.

** إسلام بحيرى: ولكن ما تقوله يستوجب الامتناع عن المشاركة فقط وليس إصدار فتاوى بالتحريم بمعنى أن التحريم لم يكن أبدا يوما لذلك السبب بل كان التحريم واضحا منكم لكل العملية الديمقراطية برمتها، رغم أن هذه الديمقراطية هى التى أصلت قيادات الجماعة الإسلامية أن يتحاوروا معنا الآن فى مقر "اليوم السابع" ؟
تدخل الدكتور محمد حسان: كنا نرى أيضا أن مشاركتنا فى الديمقراطية المزيفة قد تدعم النظام السابق وتعطيه الشرعية.

** إسلام بحيرى: وهل مجرد المشاركة كانت تمثل دعما للنظام السابق؟
- محمد حسان: كنا سنصبح داعمين للقمع بالنسبة للنظام السابق.

تدخل حمدى حسن القيادى بالجماعة: كانت الفتوى مبنية على الواقع والآن تغير الواقع .

** إسلام بحيرى: ولكن أين النص الذى حرم العمل ثم أباحه أين ذهب هذا النص؟ لأن العلة تدور مع الحكم وجودا وعدما ومازالت العلة قائمة للآن فلماذا تغيرت الفتوى؟
- حمدى حسن: مجلس الشعب كان لا يمتلك آلية فعل أى شىء لصالح الشريعة، وكان من يتكلم عن الشريعة والدين يهان تحت القبة.

** إسلام بحيرى: هل تعطينى مثالا واحدا على إهانة الشريعة تحت قبة البرلمان؟
- حمدى حسن: أى كلام عن النواحى الشرعية كان الشرع يهان بل كان هناك 88 برلمانيا يتكلم عن الإسلام وكان يهان الشرع.

**إسلام بحيرى: أعيد عليك السؤال قلت لك إضرب لى مثلا واحدا على إهانة الشرع تحت قبة البرلمان؟
-حمدى حسن: مثل مشروع الدكتور صوفى أبوطالب.

**إسلام بحيرى: أولا لم يكن هناك أى إهانة للشرع فأين هى؟ ثم إنى قرأت بنفسى مشروع تقنين الشريعة الذى يخص الدكتور صوفى أبو طالب، فى منزله بمنطقة المعادى ولم أجد فيه شيئا يختلف عما نطبقه الآن من القوانين بل كل الاختلاف شكلى لا أكثر، فأين إهانة الشرع؟ سأسالك سؤالا واضحا فيما كان يعترض الدكتور يوسف قاسم على قانون ما سمى قانون جيهان السادات؟
-قيادات الجماعة: كان الاعتراض على بنود فى القانون.

**إسلام بحيرى: نعم كان قانون المرأة.. إذن هل تذكرون فيما كان الاعتراض بالتحديد؟ أو بمعنى آخر ما الذى صدر بالتحديد فى هذا القانون يخالف الشرع؟ لأن هذه النقطة ستوصلنا لما نريده فى هذه المناقشة تحديدا؟ يعنى مثلا الدعوة السلفية فى الإسكندرية على لسان المتحدث باسمها عبد المنعم الشحات تسمى قانون الختان باسم قانون سوزان، فهل فهم الشريعة أصبح فهم السلفيين فقط؟ وإذا خالف فهمهم فهم آخر يصبح عدوا للشريعة؟ وهل إذا وقف أحد من الإسلاميين تحت القبة مطالبا بإباحة ختان الإناث ثم وقف واحد من الصف الآخر ومؤهل علميا وأكاديميا وأعطى الأدلة الشرعية التى تؤكد أن ختان الإناث هى جريمة مكتملة الأركان، وأنها لم تثبت بأى نص صحيح فى الدين بل إن النبى بذاته لم يثبت أنه قد ختن بناته الأربع فمن فى الرأيين يمثل الشرع؟
-حمدى حسن: الشرع من معه الدليل.

**إسلام بحيرى: وإذا كان الطرفان يمتلكان أدلة شرعية؟
-حمدى حسن: يحكم العلماء.

**إسلام بحيرى: ومن العلماء الذين ترتضيهم الجماعة الإسلامية؟
-صفوت عبد الغنى: الذى يحسم فى النهاية الحاكم لأنه إذا رجح القول فى مسألة أخذنا بها ولكن الحاكم الآن لم يصبح عالما ولذلك أقول إن مجلس الشعب هو الذى يحدد.

**إسلام بحيرى: وهل تعتبر بذلك أن الرأيين معتبران فى الشريعة.
- صفوت عبد الغنى: لا أريد أن أدخل فى موضوع الرأى المعتبر أو غيره.

**إسلام بحيرى: هل تعتبر مثلا أن تحديد سن زواج الإناث بثمانية عشر عاما رأيا معتبرا كما نريد نحن أم أنك تعتبره خارجا عن الشريعة؟

-صفوت عبد الغنى: لا أحب الدخول فى جدل فقهى الآن.

**إسلام بحيرى: الجدل الفقهى يجب أن يحدث لأنه ما سيحدث تحت القبة؟
-صفوت عبد الغنى: إذا كانت الأغلبية فى المجلس اختارت ما يخالف رأينا وكان المجلس مجلسا شرعيا فسنلتزم به ولكن سنحاول التغيير أيضا, ولكن لا أستطيع أن أقول أن نؤجل تطبيق الشريعة كلها لأن المتجمع غير مؤهل ولكن هناك أشياء حالة يجب تطبيقها الآن فمثلا النظام السياسى فى الإسلام لا يمكن تأجيله ونقول ساعتها نطبق العلمانية حتى نؤهل المجتمع لأن الإسلام دين ودولة.

**إسلام بحيرى: إذن نصل للسؤال الذى أريده..ما الذى تراه الجماعة الإسلامية تحديدا منقوصا فى تطبيق الشريعة حتى الآن وتريد تطبيقه؟
-صفوت عبد الغنى: الشريعة هى عقيدة وشريعة ومعاملات وهناك قوانين مثل المرور لن تتغير.

**إسلام بحيرى: ما الذى تريد تطبيقه من الشريعة وتراه لم يطبق؟
-صفوت عبد الغنى: نحن نريد دولة غير علمانية لأن الدولة العمانية تتعامل بالمذهب النفعى ونحن نريد دولة تتعامل بالشقين الدنيوى والأخروى، مثل أن رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية مثل ما له اختصاصات دنيوية لها اختصاصات دينية تنظم العمل من خلال نظرة الإسلام للنظام السياسى والنظام الاقتصادى مثل الربا وعدم الغرر.

**إسلام بحيرى: وهل النظام الاقتصادى الحالى فى نظركم هو ربوى؟
-صفوت عبد الغنى: نعم ربوى والدليل هو الأزمة المالية العالمية، وما أقصده هو أن الإسلام يجب أن يحكم فى النظامين السياسى والاقتصادى.

ويتدخل محمد حسان: التيار العلمانى إذا ترك له المجال سيتكلم عن تحديد تعدد الزوجات وأكثر من ذلك فالتيار العلمانى أيضا يحاول طمس الدين.

**إسلام بحيرى: إذن ما تقوله يؤدى بنا لما نريده نحن، أنت الآن تتكلم عن الصندوق لو جاء بالإسلاميين وتتخوف من التيار العلمانى وهو ما يؤكد أننا فى أمس الحاجة للمبادئ الحاكمة للدستور التى ترفضونها أنتم لأننا يجب أن نتخيل له أن الصندوق بعد أن جاء بالإسلاميين جاء بعد أربع سنوات بتيار شديد العلمانية من الممكن أن يغير معه كل مفاهيم الدولة وساعتها يجب أن يرضخ الإسلاميون لأنهم ارتضوا من البداية لعبة الصندوق وهكذا سنرى مصر دولة جديدة كل أربع سنوات دولة بلا هوية وهو ما يؤكد احتياجنا للمبادئ الحاكمة للدستور ضمانا لهوية مصر ليس من الإسلاميين فقط ولكن من كل التيارات التى يمكن أن تحكم يوما، ثم إنكم قلتم منذ قليل قد قبلتم كل مبادئ المدنية من الديمقراطية والصندوق ثم اعترضتم على كلمة المدنية فى وثيقة الأزهر؟

-حمدى حسن: ومن قال إن الهوية يمكن أن تتغير؟
**إسلام بحيرى: سأعطى لك مثالا حيا فى الانتخابات الفرنسية قبل الأخيرة ونعرف جميعا أن فرنسا هى الدولة ذات الهوية العلمانية التى تعطى أكبر قدر من الحريات للفرد فى أوروبا، ولكن عندما تقدم جان مارى لوبان للانتخابات وهو يمينى فى أقصى اليمين ويرى أن النازحين والمجنسين من البلدان الأخرى عربا أو أفارقة أو حتى يهود يحب أن يغادوا ويرحلوا من فرنسا لأنهم احتلوها، وعندما تقدم مثل ذلك الرجل للانتخابات رفعت دعاوى قضائية عديدة لمنعه من التقدم خشية أن يصل للنجاح لأنه ليس مسموحا له بالنجاح رغم أن الديمقراطية وقيمها لا ترجح ذلك ولكن فرنسا أدركت أن الديمقراطية لا يجب مهما كانت دولة الحريات أن تأتى بمن يغير هوية الدولة ويقلبها رأسا على عقب، ولذلك هناك فى فرنسا مبادئ لا يمكن أن تتغير أمام هوية وأفكار كل رئيس لها, وكذلك الحال فى ألمانيا التى أقرت مبادئ فوق دستورية تمنع وصول من يؤمنون بالأفكار النازية حتى الآن ممن يسمون بالنازيين الجدد الذين يمكن لهم حسب آليات الديمقراطية أن يصلوا للحكم، ولكن هذه الديمقراطيات العريقة كفرنسا وألمانيا تقول إن الديمقراطية ليس أداة توصل كل من أراد حتى لو كان سيدمر الدولة وهويتها لذلك ظهرت فكرة المبادئ فوق الدستورية وهذا ما يجب أن نفعله فى مصر خشية طمس الهوية المدنية لها.

-محمد حسان: من الذى وضع تلك المبادئ؟
**إسلام بحيرى: لجنة تأسيسية من كل طوائف الشعب ليضمنوا هويتها ومن الممكن أن تضعها الدولة بدون استفتاء.
-عزت السلامونى: إذن ما تقوله يساعد الإسلاميين لأن هوية مصر إسلامية؟
**إسلام بحيرى: ومن ينكر هوية مصر الإسلامية؟ ولكن ذلك لا يمنع أن يأتى كل أربع سنوات من يطبق قوانين وتفصيلات توافق هويته وأفكاره وتضيع الهوية المصرية؟

-صفوت عبد الغنى: أيضا أريد أن أقول إن ذلك لا يقاس على الدولة الإسلامية لأن المسيحية تسمح بذلك لأن العلمانية كانت معادية لظلم الكنسية الأوروبية ونحن نوافق على الوثيقة الحاكمة ولكن على ألا تكون بالفرض ولكن تكون بالاستفتاء.

**إسلام بحيرى: إذن أنتم توافقون على الوثيقة ولكن بالاستفتاء، إذن هذا انتصار عظيم وأريد أن يسجل ذلك الكلام كرأى رسمى للجماعة الإسلامية.

صفوت عبد الغني: لكنى ما زلت أرفض الدولة المدنية بمعناها العلمانى.

**إسلام بحيرى: إذن نحن نحتاج إلى وضع تعريفات محددة للمدنية والعلمانية لأنه لا يمكن أن نتحارب حول مصطلحات غامضة.. فالعلمانية غير المدنية وحتى الدول العلمانية لها خصائص مختلفة فالولايات المتحدة مثلا دولة علمانية ولكن مازال رئيسها يقسم على الإنجيل ومعنى ذلك أن العلمانية بمفهومها الكامل ما تزال منقوصة فى أمريكا.

-صفوت عبد الغني: لا يوجد دولة بلا عقيدة.

**إسلام بحيرى: نعم وحتى لو كانت الشيوعية أو الماركسية فهى عقيدة تؤمن بها الدولة إذن العلمانية الكاملة حتى فى أوروبا غير موجودة ومن هنا نصل للب الموضوع أو ما يعرف فى لغة الفقه بتحرير محل النزاع.. ما هى الدولة المدنية فى نظر الجماعة؟

-صفوت عبد الغنى: فى لقاء مع الدكتور هالة مصطفى قالت بالنص إن المدنية هى العلمانية.


**إسلام بحيرى: هذا رأى الدكتورة هالة ولكن حتى فى الفقه نأخذ بالإجماع ولذلك فإن آراء أكاديميين كثر غير ذلك وتعالوا نلتجأ للدكتور عبد الوهاب المسيرى رحمه الله عندما فرق بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة وتعالوا نضع تعريفا أكاديميا محدددا لمعنى الدولة المدنية فى مصر لكى لا نختلف على ما لا يفهمه الجميع، وأنتم تعرفون أن العلمانية ذاتها كمصطلح إلى الآن لم يستقر على مفهوم واحد لها هل هى رجل العالم على عكس رجل الدين أم أنها من العلم أم أنها فصل الدين عن الدولة، ولذلك فأنا أرى أنا هناك فوضى مصطلحات وأغلب من يتكلم للأسف لا يفهم المصطلحات.

-صفوت عبد الغنى: هكذا قيل لنا إن من يقول دولة مدنية هو يقصد دولة علمانية.

**إسلام بحيرى: غير صحيح هذه يذكرنى بما فعل الخليفة عمر بن الخطاب عندما رفض قوم دفع الجزية لأجل أن اسمها الجزية فقط وقالوا له اجعلها الصدقة فوافق وقال بعد أن مضوا هؤلاء قوم لا يفقهون ردوا المعنى للجزية وأبوا ورفضوا الاسم فقط، ولذلك فإن الأسماء أعراض زائلة لذا يجب أن نفهم المصطلحات من خلال معناها الحقيقى وليس أسماء فقط وأستطيع أن أؤكد لك أن هناك فرقا كبيرا من الناحية الأكاديمية بين العلمانية والمدنية.

-صفوت عبد الغنى: فرج فوده هو الذى جعل الدولة المدنية نقيض الدولة الدينية أو الإسلامية فى مناظرة معرض الكتاب فى التسعينات.

**إسلام بحيرى: نعم لأن فرج فودة كان يناظره الشيخ محمد الغزالى حينها وكان يريد أن يخالف فكر معين أو نظرة معينة للإسلام وليس الإسلام ذاته ونستطيع نحن أن نؤسس حوارا وطنيا كبيرا كما فعل الفرنسيون قبل وضع دستور الجمهورية الخامسة حينما أقاموا حوارا وطنيا قبل وضع الدستور، ونحن نستطيع أن نقيم حوارا طويلا من كل الطوائف والتيارات فى مصر قبل الوثيقة الحاكمة، ومن هنا نصل للنقطة التى أثارها الدكتور صفوت والأستاذ عزت السلامونى حول النظام السياسى الإسلامى ودعونى أقول إن النبى لم يقم دولة بل كان رسولا وقائدا لأمة يثبت أركان الدين، ونحن إذا نظرنا لكل الكتب الإسلامية فيما قبل عام 1850 ميلادى لا نجد أثرا لكلمة دولة النبى ولكن هذا المصطلح ظهر بعد أن ظهرت الدولة الحديثة الأم بعد عصر النهضة الأوروبى فلم يجد الفقهاء الذين شغلهم الفقه الضيق عن التقدم بالعقول المسلمة إلى الأمام فلم يجدوا أمام الهزيمة الثقافية إلا أن يقولوا إن النبى منذ القدم قد أسس دولة وذلك غير حقيقى لأن الدولة الحديثة بمعناه المدنى لا يمكن أن نضع حدودها وخصائصها على الأمة التى بناها النبى مؤيدا بالوحى من السماء لذلك لأن الإسلام دين وهو أعظم من الدولة ولكن ليس بديلا عنها بل هو جزء أصيل فى تكوينها وصنع هويتها ولكن ليس هو الدولة بذاتها, وبالمناسبة أيضا فكلمة دولة كانت أداة طيعة لأعداء الفكرة الإسلامية لبث أفكار حول المطامع الدنيوية والقبلية فى حروب الإسلام الأولى, لذلك أؤكد لكم أن الدولة أبدا لم يقمها النبى رغم أن اللفظة كانت معروفة فى القرآن حيث يقول "لكى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" كمان أن أول شروط الدولة فى الإسلام كما تقول الآراء السلفية هى وجوب تنصيب الحاكم ولنرى ماذا فعل النبى فقد توفاه الله بدون أن ينصب حاكما وذلك بعيدا عن الروايات التى يتداولها الجانبان السنى والشيعى حول الخلاف على تنصيب أحد، ولكن الحقيقة أن النبى لم ينصب أحدا، وقد أراد أن يكتب كتابا وهو على فراش الموت ولكن قد حيل بينه وبين كتابته، إذن لو علم النبى أن تنصيب الحاكم واجب شرعى ما تركه دون أن يفعله وما حدث فى سقيفة بنى ساعدة يؤكد عدم وجود إشارة من النبى للحاكم، لأنه لو كان هناك ما اختلف الصحابة فى السقيفة.. لذلك أقول إن النبى أكبر من الحاكم لأنه نبى يوحى إليه، وإن الأمة أكبر من الدولة وعلى هذا وكما قلت الإسلام ليس بديلا عن الدولة ولكنه جزء أساسى من تركيبتها وهويتها.

-حمدى حسن: لقد أعطيت درسا فى التاريخ لنا عليه ألف تعليق، ويتدخل محمد حسان: كما أنك ذكرت أشياء نختلف معك فيها من الأساس.

تلك النقطة أثارت جدل واسعا بالمناظرة فقال حمدى حسن: أليست القاعدة الأصولية تقول ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؟! أليس ذلك يوجب أن يكون هناك رأسا للدولة وقد تعلمت كل شىء فى الدولة من سنة النبى من تعامله مع غير المسلم، وأن الربا حرام وكيف أربى المرأة، وقال عزت السلاموني: نحن نعرف أن سنة الرسول قولا وفعلا وإقرارا ونحن يجب علينا الاقتداء بكل سننه التى أدار بها الشأن ما يسمى السياسة الشرعية ولذلك يجب الأخذ بها لأنها ثابتة، فيما قال إسلام الغمرى: كان النبى أيضا يأمر أن يؤمر واحدا على ثلاثة لو كانوا فى رحال فكيف لا يترك للدولة وقال أيضا عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى.

**إسلام بحيرى: بالمناسبة كاستطراد خارج السياق هذه الحديث المذكور "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى" هو حديث ضعيف

-محمد حسان: الرسول كان حاكما ومن بعده الصحابة ومن بعد الدولة الأموية وصولا إلى الدولة العثمانية.

**إسلام بحيرى: بالمناسبة أنا لم أقل أنه لا يجب تنصيب حاكم ولكنى أقول إن الإسلام لم يحدد طريقة محددة لذلك التنصيب لأنه لا شأن له ولكن شأنه أن يكون الدين موجودا فى الدولة مهما كان شكل هذه الدولة فالإسلام دين يقبل ويتعايش مع كل أنظمة الدول وليس هو الدولة, وأعود إلى ذلك لنرى كيف تم اختيار الصحابة الراشدين فالأول فى السقيفة والخليفة الثانى بالاختيار المباشر من أبى بكر أما عثمان بن عفان فكان مرشحا من ستة من الصحابة وعلى بن أبى طالب أيضا ثم جاء معاوية بن أبى سفيان بالسيف وما بعده لا يجب أن يذكر لأنه لو قلنا إن الدولة الأموية أو العباسية التى بدأها أبو العباس السفاح هى دولة الإسلام فهذه مهانة كبرى للإسلام بالتأكيد لأن التطبيق غير النظرية، إذن الإسلام لم يحدد نظاما سياسيا لاختيار الحاكم وهو أكبر رأس للدولة.

-محمد حسان: وهذا من عظمة الدين ولعدم التضييق.

**إسلام بحيرى: إذن أن تقر بأن الإسلام يقبل كل الأشكال.. نصل هنا لما قاله الأستاذ عزت السلامونى إن سنة النبى فى الحكم هى السياسة الشرعية التى يجب أن نأخذ بها وهنا أقول له أن ذلك لا يمكن لأن الرسول كان رسولا قبل أن يحكم يقيم أحكامه على وحى يوحى له فأين لنا الحكام الآن الذى يوحى له، وأن أضرب مثالا صريحا حدث بعد وفاة النبى بشهور وهى حروب الردة فقد رأى أبو بكر الصديق أن يحارب من منعوا أداء الزكاة وتأولوا الآية التى تتحدث عن تطيهر النبى لهم فقالوا من كان يطهرنا قد توفى وهنا قال أبو بكر والله لو منعونى عقالا كا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه وكان يعارض رأى حربهم عمر بن الخطاب لأنه يرى أنهم مسلمون ينطقون الشهادة وهنا باختلاف أى ما أسفر عنه هذا الحدث ولكن إذا اختلف أبو بكر وعمر فى أمر كهذا ولم يكن هناك نصا حاكما يحدد ذلك ولكنه تأويل الصحابى الجليل أبو بكر الصديق فكيف نقول الإسلام ترك لنا دولة فها هو قرار من أخطر القرارت لم يوجه فيه أبو بكر لنص حاكم ولكنه لفهمه ولو كان هناك نص ما اختلف أبو بكر وعمر وكل منهم يمثل فهمه فمن منهم الإسلام، ورأيه، وهنا يتضح لأن الأمر السياسى لا علاقة له بنصوص الدين ولا بفعل الرسول الذى يوحى إليه وحتى لو قال عمر فى نهاية الرواية "فشرح الله صدرى لما قال أبو بكر" ولكنه لم يقل مثلا "فألزمنى الحجة " بمعنى أنه لا وجود لنص يحكم المسألة غير فهم وتقدير الحاكم وهو أمر مدنى بحت وليس دينيا.

-صفوت عبد الغنى: ولكن الإمام النووى قال فى خلاف أبى بكر وعمر أن فى ذلك دليلا على خفاء النصوص على العلماء.

**إسلام بحيرى: أنا قلت تفسير عمر بن الخطاب ذاته للأمر أنه شرح صدر وليس إلزام حجة فكيف أترك أصحاب الأمر وآخذ بكلام الإمام النووى ثم سأعرض عليكم أمرا آخر اختلف فيه أبو بكر وعمر ولم يتفقا وذلك فى واقعة الصحابى خالد بن الوليد عندما قتل مالك بن نويرة فرأى أبو بكر أن خالدا تأول ما فهمه من مالك على الذى يبيح قتله وقال لا أغمد سيفا أسله الله وقال عمر بن الخطاب لا بل عليه الحد القصاص الشرعى لأن عمر رأى فى ذلك أن خالدا لم يتأول ولكن رأى أبو كحاكم هو الذى طبق وهنا نجد أيضا أن الإسلام لم يترك نصا حاكما يدير به شأن مثل ذلك ولكنه رأى الحاكم بفهمه ولو كان هناك نصا ما اختلف أبو بكر وعمر ولم يتفقا ولذلك نجدد السؤال من منهم الإسلام والسؤال الأكبر لو وصل الإسلاميون للحكم واختلفوا كمثل ذلك الخلاف فكيف نعصم الدماء ساعتها من عقول من سيحكموا باسم الإسلام، وهنا أجدد القول إن الرسول يوحى إليه وليس حاكما عاديا ولو حتى خالف الرسول الشورى مثل صلح الحديبية التى عارضها جل الصحابة ولكن الرسول ذكرهم جميعا أنه رسول يوحى إليه ووقع الرسول صلح الحديبية الذى كان سببا فى نصر الإسلام بعدها فلو كان الرسول حاكما عدايا لالتزم الشورى ولكنه رسول وليس حاكم أما من بعده من أبى بكر إلى يومنا فهو حاكم إذا حكم لا يحكم بما يمليه عليه الشرع ولكن يحكم بما بآرائه هو فقط وليس الإسلام لذلك لا تقاس أفعال الرسول كحاكم على أنها سنة وأعطى مثالا آخر عندما وقع السادات معاهدة السلام مع إسرائيل قال بعض فقهاء السلاطين إنه يجوز لأن الرسول قد عقد مصالحات مع اليهود ولكنى أستطيع أن آتى لكم بآراء من ذات الكتب تؤكد أنه لا يجوز الصلح مع اليهود وهنا يتضح أن الإسلام لم يترك لنا نظاما للعلاقات الخارجية ولا لرئاسة الدولة ولا لشئون إدارتها ولا يقاس كما قلنا على أفعال وأقوال الرسول كحاكم، إذن أين الدولة، التى تتكلمون عنها، وهنا نعود لما قلته الإسلام دين مكون للهوية وجزء أصيل من الدولة وليس الدولة.

-عزت السلامونى: أنا أقول إن فى الإسلام ضوابط وقاعد ثابتة وأخرى قابلة للاختلاف لذلك يجب علينا أن نأخذ بما فعله النبى كحاكم.

-محمد حسان: وأقول أيضا إن هناك خلافا معتبرا وخلافا غير معتبر وليس كل خلاف يمكن اعتباره فى هذه المسائل.

**إسلام بحيرى: أريد أن أسألكم عن تفسير الجماعة الإسلامية لما يخاف منه الناس إذا وصلت الجماعة للحكم عن الآتى : المرأة- الحريات العامة –الدستور - الحدود- القوانين الوضعية كما تسمونها.

_صفوت عبد الغنى: نقبل بأى دستور يقول إن الشريعة الرسمية وليست مبادئ الشريعة الإسلامية ويضمن عدم علمانية الدولة أما الحدود فلا يستطيع مسلم أن ينكر الحدود ولكن مسألة التهيئة للمجتمع تحتاج وقت أما المرأة فلها كل ما للرجل بشرط أن تتوافق مع طبيعتها ولكن مع رفض تام أن تتولى الولاية العامة أو رئاسة الدولة كما نرفض أن تكون قاضية فى قضايا الجنايات لكن من الممكن أن تكون قاضية فى قضايا الأسرة أم الحجاب فلن نفرضه فرضا ولكن لن نتركها تخرج عن القيم المجتمعية.

**إسلام بحيرى: كلمة المبادئ للشريعة تعنى أن يسود العدل والمساواة والحرية فهل ذلك ليس الإسلام؟
-صفوت عبد الغنى: لا يجب أن تنفذ الشريعة بكل تفاصيلها وليس فقط المبادئ وكل التفاصيل هى الأحكام التفصيلية التى تحكم الدولة وحسمها عن طريق السلطة التشريعية.

إسلام بحيرى: أقول فى النهاية إن الوثيقة المزمعة الحاكمة للدستور قد تحرت الدولة فيها ما فعلته اللجنة التأسيسية لدستور عام 1923 حين دعت من كل طوائف الدولة من عمال ونقابيين وأساتذة ومفكرين وعلماء ويجب أن ندعم هذه الوثيقة لأنها الضامن الوحيد لبقاء مصر المدنية.

الخميس، 8 نوفمبر 2012

قصة مقتل النبى «صلى الله عليه وسلم» بالسم على أيدى اليهود باطلة

الباحث إسلام بحيرى 

إسلام بحيرى رئيس مركز الدراسات الإسلامية بـ«اليوم السابع»

◄ العلم ينفى وجود نوع من السم يبدأ عمله فى جسم الإنسان بعد ثلاث سنوات

كان من المفترض ألا تمثل وفاة النبى الكريم أى مبعث لخلاف أو نزاع أو شبهة تحملها كتب التراث بين دفتيها حول الواقعة، فكفى بها مصيبة ورزية حلت على أمة بأكملها فى وفاة إمام المرسلين، ولكن أهل التراث ومخرجى الأحاديث وأصحاب السير أبوا إلا أن يجعلوا هذه الواقعة مادة للطعن على رسول الله.


ولأن العقل الجمعى المسلم لا يمكن بحال أن يتقبل فكرة نقد أحاديث فى كتاب البخارى على أساس أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، رغم أن البخارى يبقى مع كل إتقانه بشراً تعتريه الوساوس والأخطاء والأهواء وتظل منتجاته العلمية متاحة أمام النقد العلمى والأكاديمى ولا مطعن ولا مَعيب فى ذلك، فكما يعرف الغالبية من المسلمين أن النبى توفى على أثر وجع شديد وحمى ألمَّت به، إلا أن البخارى وحده فى كتابه دون أى أحد فى العالمين أخرج حديثا أن النبى مات مسموما مقتولا جراء أكله من شاة مسمومة قُدمت له من اليهود فى موقعة خيبر.


ولنعرض الحديث أولا.. أخرج البخارى فى باب «مرض النبى صلى الله عليه وسلم ووفاته» 791/7- 4428 ما يلى:

«وقال يونس، عن الزهرى: قال عروة: قالت عائشة رضى الله عنها: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى مرضه الذى مات فيه: (يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من ذلك السم).

وأصل الحكاية أن البخارى ومسلما وكثيرا من أهل السير والتاريخ قد أخرجوا جميعا واقعة تصل إلى حد التواتر عن شاة قُدمت للنبى فى خيبر ولكنه عَلِم كنبى معصوم أنها مسمومة، وهذه الواقعة من المهم استجلاؤها قبل الخوض فى نتيجتها، فماذا عن هذاالاستجلاء؟

أخرج البخارى فى باب «إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم» 343/6-3169، وأخرجه مختصرا فى «باب» الشاة التى سُمَّت للنبى بخيبر»، وأخرج ذات الحديث بطوله فى باب «ما يذكر فى سم النبى صلى الله عليه وسلم» 284/10-5777» وفيه يقول:

حدثنا قتيبة: حدثنا الليث، عن سعيد بن أبى سعيد، عن أبى هريرة أنه قال: «لما فُتحت خيبر، أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله (اجمعوا لى من كان ها هنا من اليهود).. ثم قال لهم: (فهل أنتم صادقىَّ عن شىء إن سألتكم عنه)، قالوا: نعم، فقال: (هل جعلتم فى هذه الشاة سماً)، فقالوا: نعم، فقال: (ما حملكم على ذلك). فقالوا: أردنا: إن كنت كذاباً نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرَّك».


وأخرج البخارى حديثا شاهدا لذلك الحديث بسند عن أنس بن مالك فى باب «قبول الهدية من المشركين» 272/5-2617، وأخرج «مسلم» 2190، فى كتابه ذات الحديث بسنده إلى أنس بن مالك، ولكن بزيادة هامة عن المرأة اليهودية واضعة السم، فيروى فيها الصحابى أنس بن مالك: فجىء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لأقتلك، قال: «ما كان الله ليسلطك على ذاك» قال: أو قال: «على».


إذن ماذا نستنتج مما سبق:

رواية واقعة تقديم الشاة المسمومة رواية صحيحة متواترة، ولكن يجب التوقف عند بعض نتائجها المتحققة:

الرسول قد أُخبر بالغيب وفى بعض الروايات أُخبر من الشاة نفسها أنها مسمومة، وجاء فى بعض الروايات أنه لم يقربها قط وجاء فى أخرى أنه لاك - مضغ - قطعة منها ثم لفظها، وذلك ما يتفق مع مقام العصمة التى أقرها سبحانه وتعالى فى القرآن.


فى الرواية التى أخرجها البخارى عن أبى هريرة وقع الحوار الطويل بين الرسول واليهود ولكن المهم فيه هو المقطع الأخير، وهو ظن اليهود بما اعتقدوه امتحانا لصدق نبوة محمد صلوات الله عليه، فلما سألهم: «ما حملكم على ذلك»، قالوا: «أردنا إن كنت كذاباً نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرَّك»، وهنا نتبين الهدف والغاية من إثبات الرواية الصحيحة، أنهم قالوا ما قالوه، وسكت النبى على قولهم إقراراً لهم أن اختبار النبوة الحقيقى على المحك، فلو كان كذابا أو مدعيا للنبوة لأكل منها وشبع، فاليهود على علم أنه لو كان من أولى العزم، كإبراهيم وموسى لكان محفوظا من إزهاق الروح قتلا، ثم أردفوا ما أقره النبى أيضا أنهم قالوا: «وإن كنت نبياً لم يضرَّك»، وهذه هى النتيجة الأبرز فى الحدث أن ضرر السم لا يمكن أن ينتقل لرسول الله من الأصل فضلا عن أن يميته ذلك السم، وإلا كان على حسب قولهم وعلى حسب إقرار النبى لقولهم ليس نبيا بل كذابا لأن السم قد أضره ولم يُخَبَّر من ربه.


فى الرواية الصحيحة الأخرى من حديث أنس الذى أخرجه البخارى ومسلم، جاءت الزيادة الهامة التى أشرنا إليها عند «مسلم» أن الرسول استدعى من دست السم له فى الشاة وسألها: «فقالت: أردت لأقتلك. قال: «ما كان الله ليسلطك على ذاك» أو قال: «علىَّ»، وهنا نستوضح العصمة بشكل جلى، فلم يكتف النبى بالسكوت عن كلامها إقرارا لها، ولكنه رد عليها ردا لائقا بكمال اليقين فى عصمة ربه له فقال: «ما كان الله ليسلطك على ذاك»، والمعنى لا يحتاج إلى شرح ولا يقبل التأويل، فالرسول قال إن الله لا يسلطك على ذلك أبدا بالسم أو بغيره إذن هذا هو مفهوم الرسول ذاته عن العصمة الربانية له.


ونعود للحديث الأول والذى أخرجه البخارى وابتنى فيه على الروايات السابقة كأصل للقصة أن الرسول مات بعد ثلاث سنوات متأثرا من ذات السم، لنستعرض كم العلل والمعايب التى شابت إخراج البخارى لمثل هذا الحديث سندا ومتنا - نصا، ولنبدأ بذكر ماجاء فى الحديث:

أخرج البخارى فى باب «مرض النبى صلى الله عليه وسلم ووفاته» 791/7- 4428: «وقال يونس، عن الزهرى: قال عروة: قالت عائشة رضى الله عنها: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى مرضه الذى مات فيه: (يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت إنقطاع أبهرى من ذلك السم).

ونبدأبنقد سند الحديث:

هذا الحديث معلق، والحديث المعلق ببساطة هو الحديث الذى لا يصرح فيه البخارى بصيغة «حدثنا» لأن هذه الصيغة تعنى ثبوت اللقاء بينه وبين الراوى عنه، ولكن التعليق يعنى أن البخارى أسقط فى أول السند شخصا أو أكثر، لذا فإن فهم هذا المصطلح هام جدا فى نقد هذه الرواية، وهنا ننقل كلاما جامعا لابن حجر فى كتابه «تغليق التعليق» فيقول عن أحاديث البخارى المعلقة وأنواعها: «فقد يكون معبرا بصيغة لا تقتضى التصريح بالسماع مثل قال وروى وزاد.. فإن جزم به فذلك حكم منه بالصحة إلى من علقه عنه، ويكون النظر إذ ذاك فيمن أبرز من رجاله ،فإن كانوا ثقاتا فالسبب فى تعليقه إما لتكراره أو لأنه أسند معناه فى الباب، ولو من طريق أخرى فنبه عليه بالتعليق اختصاراً».

والمعنى أن ابن حجر يقول إن البخارى إذا علق الحديث بصيغة الجزم بمعنى أن يقول فى أول السند: «قال» يكون ذلك بسبب حكمه بالصحة لمن علَّقه عنه ويبقى معرفة رجاله إن كانوا ثقاتا أو مادونهم، أو أنه علقه لأنه مكرر فى مواضع أخرى بتخريجه أو لأنه أسند معناه فى باب آخر فى الكتاب، ولكن بسند متصل فيحمل البخارى السند المعلق على السند المتصل فى الحديث الآخر طالما تشابها فى المعنى وكان السند المعلق رجاله ثقات.


ولكن هل ما قاله ابن حجر من شروط متحققة فى هذا الحديث؟ بالطبع لا.

أولاً:
الحديث علقه البخارى عمن لم يره ولم يسمع منه وهو «يونس الأيلى» الذى توفى قبل مولد البخارى بأربعين سنة على الأرجح، وهذا بخلاف معلقات البخارى الأخرى التى يمكن أن تكون عن مشايخه.

ثانياً:
معنى هذا أن الحديث به انقطاع ظاهر فى أول السند بين البخارى ويونس، وهو ما دعاه لتعليقه ولكن بشرطه الذى ذكره «ابن حجر».

ثالثاً:
وهذا الشرط أنه إذا علَّق البخارى حديثا بصيغة الجزم «قال» كالذى بين أيدينا فيقول «ابن حجر» فإنه ولابد علقه بالجزم لسببين:
1:
أنه مكرر فى موضع آخر من الكتاب بذات السند المنقطع هنا فيكون مجرد اختصار للسند فقط لا أكثر، فهل هذا الشرط منطبق على الحديث الذى بين أيدينا؟ بالطبع لا، فالبخارى لم يكرر الحديث فى أى باب من أبواب كتابه مرة أخرى لا بهذا السند موصولا، ولا بسند غيره أبدا، إذن سقط الشرط الأول لقبول معلقات البخارى.

2:
يقول «ابن حجر»: إن البخارى قد يعلق الحديث المنقطع سندا لأنه أسند معناه فى الباب، ولو من طريق أخرى للسند، طالما كان رجال السند المعلق ثقاتا، فهل هذا ينطبق على الحديث الذى بين أيدينا؟ أيضا لا، لأن البخارى لم يسند المعنى المقصود من الحديث فى أى حديث آخر فى طول كتابه وعرضه، ولكنه فعل شيئا عجيبا وغريبا، فقد كان يكتب تحت اسم الباب الذى أخرج فيه الأحاديث التى ذكرناها سابقا عن واقعة تقديم الشاة المسمومة للنبى فى خيبر، جملة مقحمة ودخيلة فيقول «رواه عروة عن عائشة»، وكأن البخارى يريد أن يقول إن أحاديث تقديم الشاة المسمومة هى نفس المعنى المراد من الحديث الذى بين أيدينا حول تصريح الرسول بانقطاع أبهره - شريان القلب - من أثر ذلك السم، وما كتبه البخارى يعنى أنه استنتج أن الحديثين بمعنى واحد، أو أن أحدهما نتيجة للآخر، استنتاج لا يمكن قبوله بحال، لأن الأول - الذى ذكرناه عن الشاة- حديث متصل السند والثانى الذى هو لب المشكلة ليس مطابقا لمعنى لأول بأى وسيلة، وبالطبع لا رابط بينهما لكى يصبح الثانى نتيجة للأول، لذا فإن تعليق الحديث الثانى لا ينجبر ولا ينصلح باتصال سند حديث الشاة، وإنى لأعجب من البخارى كيف يتأتَّى له هذا الاصطناع فى أمر جلل كهذا، فالحديث الأول كما بيَّنا سابقا يخص واقعة حدثت وانتهت ساعتها تماما أن النبى قُدمت له فى خيبر شاة، وأُخبر من لدن حكيم عليم أنها مسمومة، وسأل هو اليهود رجالا ونساء لما فعلتم ذلك؟ فردوا بأنه كان اختبارا لنبوته، وأنه إن كان نبيا سيخبر من ربه، أو لن يضره السم، وهذا المعنى لا علاقة له من قريب أو بعيد بحديث السوء الذى يريد البخارى أن يجعله نتيجة للحديث الأول بل إن الحديث الأول والمتصل السند يناقض الثانى كليا، فالحديث الثانى يزعم أن النبى قال إنه يموت من أثر هذا السم، والحديث الأول يخبر فيه الرسول أن موته من السم مستحيل الحدوث، فأى شىء فعله بنا البخارى؟

فسبحان الله، إذا كان الرسول قد قال للمرأة اليهودية صراحة إن قتله بذلك السم لا يتأتى لها أبدا بقوله: «ما كان الله ليسلطك على ذاك»، فكيف يقول البخارى إن الرسول بعد ذلك بسنوات قال عند موته إن أثر السم ذاك هو الذى يميته، كيف استساغ البخارى أن يلصق بالرسول الكريم طعنا كهذا ونقضا لعصمة ربه التى أقرها هو بنفسه فى حديث الشاة، ثم يأتى البخارى بسند منقطع ويعلق الحديث على ادعاء أنه بمعنى الحديث الأول، بل الأمر واضح وجلى أن الحديث الثانى ليس له علاقة بالحديث بالأول.


لذا فإن هذا الاستنتاج يخص البخارى وحده ولا يخص الأمة ولا نبيَّها، ولكن تقديس البخارى هو الذى جعل الشراح والتابعين يقرون هذا الحديث المعلق على أنه الحقيقة ويطعنون فى نبيهم المعصوم ويجعلون اليهود هم الذين قتلوه إلى يوم القيامة، فسبحان الله.


رابعا:
ولكن الأهم هنا أن السند المنقطع الذى ذكره البخارى ليس سندا سالما من العلل، فالسند هو: قال يونس عن الزهرى قال عروة، ويونس هو «يونس بن يزيد الأيلى» ورغم أنه يعد الراوى الثانى لحديث الزهرى فإن أهل الجرح والتعديل قد عابوا عليه منكراته عن الزهرى، فيقول ابن حجر فى تهذيب التهذيب ج 11 - 770: «وقال أبو زرعة الدمشقى سمعت أحمد بن حنبل يقول فى حديث يونس عن الزهرى منكرات... وسئل أحمد من أثبت فى الزهرى قال معمر قيل فيونس قال روى أحاديث منكرة»، ثم إن الراوى لم يصرح بالسماع فقال «عن» الزهرى وهذه صيغة دون كلمة «حدثنا» التى تفيد سماعه منه مباشرة.

أما الزهرى فهو ابن شهاب الزهرى، وهو مع جلالته وحفظه وقدره لكن العلماء عدوه من المدلسين، بل إن ابن حجر عده من الطبقة الثالثة من المدلسين المكثرين فى كتابه «طبقات المدلسين»، وكذلك «أبو زرعة»، ولكن يُتَّقى تدليسه يجب أن يصرح بالسماع عمن روى، والغريب أن الزهرى يروى الحديث هذا بصيغة عدم السماع المباشر بقوله: «قال عروة» ما يؤكد أنه لم يسمعه من «عروة» مباشرة وأنه أسقط الواسطة بينهم وهذا هو التدليس، رغم أن «عروة» شيخه.


خامسا:
قال ابن حجر فى «تغليق التعليق» عن ذات الحديث ما مضمونه إن الحديث قد وصله - بمعنى وصل السند المنقطع - البزار والإسماعيلى والحاكم ولكن بمراسيل، بانقطاع فى السند.

سادسا:
حتى «مسلم» تلميذ البخارى والذى كان شرطه فى إخراج الأحاديث أدنى مرتبة من شرط البخارى، لم يخرج هذا الحديث من أى وجه ولا جاء على ذكر قول كهذا للرسول عند وفاته أبدا.

الاستنتاج:

هذا الحديث آحاد وغريب وشاذ ومنقطع السند ولم يتابع عليه أحد ولم يصل سنده أحد من العلماء إلا بأسنايد مرسلة، لذا فهو حديث ضعيف بكل أوجه الضعف لا يصح الاحتجاج به ولا التعويل عليه.

أما عن نقد متن نص الحديث فنقول: إنه منكر النص ويخالف المعلوم من لب الشرع ومجامع العقل وذلك للآتى:

مخالفته القرآن العظيم فقد قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» المائدة 67 .

ولا أعلم معنى للعصمة من الناس إلا العصمة من الإيذاء ومن القتل وقد أقر أكثر المفسرين أن الرسول لم يتخذ حراسة بعد نزول هذه الآية، وقال ذلك بعض من أهل التراث:

ابن الجوزى زاد المسير - 2 / 397: «فعنه: أنه عصمه من القتل، والأسرِ، وتلفِ الجملة».
الزمخشرى - الكشاف - تفسير آية آل عمران 144: «المراد أنه يعصمه من القتل».
الحافظ ابن حجر - فتح البارى 6 / 82: «وعلى هذا فالمراد: العصمة من الفتن، والإِضلال، أو إزهاق الروح، والله أعلم».

2)
قال الله تعالى: «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ» الطور 48.
ولا أعلم معنى لعناية الله سبحانه لرسول نبى فضلا عن كونه من أولى العزم إلا أنها عناية يكلؤه بها سبحانه من كل إيذاء يحط من عصمته، وهى عناية مستمرة مستديمة إلى يوم يلقاه.

والمضحك المبكى الذى تقشعر منه الأبدان أن أهل التراث والمعاصرين لم يتلبثوا فى استلهام معانى عصمة النبوة بل ساقوا الحجج المليئة بالسخف والتكلف والتعنت لمحاولة الجمع بين العصمة ورواية البخارى عن الموت بالسم، فمن المعاصرين من يقول مقلدا للتراثيين إن «العصمة» فى الآية هى: العصمة من الفتنة، ومن الضلال، وقد عصمه ربه تعالى من كل ذلك».


وهذا كلام مردود لأن النبى من دون العصمة هو معصوم من الفتنة ومن الضلال وإلا فإن الله اختاره على غير علم - معاذ الله - كما أن سياق الآية لا يحتمل إلا العصمة الحقيقية البدنية - من القتل والتى عصم الله بها كل أولى العزم من الرسل.


ومن المعاصرين أيضا من ذهب أبعد من ذلك كالسلفى حامد العلى الذى قال: «(والله يعصمك من الناس) أى حتى تبلغ رسالتك، أما وإن تم التبيلغ، وأديت الأمانة، فقد يقدر الله على النبى أن يموت بسبب من أعدائه، فليس ثمة تناقض بين الأمرين».

والمعنى الذى يريده أن الله عصمه حتى يبلغ كامل الرسالة ثم بعد ذلك فلا مانع من أن يقتل على يد أعدائه فلا تناقض بين العصمة والقتل.

ووالله لا أجد شيئا أقوله تعليقا على هذا الكلام المتناقض الهابط، وأتركه ليحكم عليه العاقل، فالله يبعث نبيه ولما تنقضى حاجته بتبليغ الرسالة يتركه ليقتل! فسبحان الله العظيم.

3 -
وأفتى آخرون بأن الله أبى إلا أن يعطى نبيه الحسنيين النبوة وأن يموت شهيدا، والرد على ذلك بسؤال مواجه لماذا يعطى الله لنبيه ورسوله الشهادة مع أن الشهداء ستكون مكافأتهم الكبرى فى الجنة أن يكونوا فقط مع الأنبياء والدليل قول الله تعالى: «فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا» النساء 69. فأى كرامة بعد النبوة ذاتها.

4 -
أخرج البخارى 2753: «أن جابر بن عبد الله أخبر: أنه غزا مع رسول الله قِبَل نجد.. فإذا رسول الله يدعونا، وإذا عنده أعرابى، فقال: إن هذا اخترط على سيفى وأنا نائم، فاستيقظت وهو فى يده صلتا، فقال: من يمنعك منى؟ فقلت: الله ثلاثا».
فهذا الحديث دليل دامغ وعملى على فهم وتطبيق الرسول بنفسه لعصمته المقررة قرآنا، فقال للأعرابى مجيبا على سؤاله: ما يمنعك منى؟ فقال له النبى «الله» ثلاث مرات فمن الذى عصم الرسول من القتل؟ وما الذى ارتكن إليه الرسول فى رده أنه لن يستطيع قتله؟ إلا أن تكون العصمة.

5 -
أخرج عبد الرزاق (9754) وأحمد (27469) وصحح إسناده الحافظ فى الفتح 8/148، من حديث أسماء بنت عميس قالت: «أول ما اشتكى رسول الله.. قالوا: كنا نتهم بك ذات الجنب يا رسول الله، قال: إن ذلك لداء ما كان الله ليقذفنى به».

وهنا نجد المعنى الذى يقوله الرسول على سرير المرض الأخير، فالرسول واثق متيقن من ربه أنه لا يبتليه بداء «ذات الجنب» أبدا قائلا: «ما كان الله ليقذفنى به»، وهو يجزم بذاك كرامة لرسالته وعصمته، ثم من المفترض أن النبى بعد ذلك بساعات يغير كلامه -معاذ الله- فى عصمة ربه ويقول ويقر بأنه يموت من أثر السم الذى دسوه له بخيبر، أفيحميه الله من الأمراض التى هى من قدَرِه بدون واسطة ولا سبب كرامة لعصمته ثم يتركه -معاذ الله- لليهود تقتله؟ أى قياس باطل منكر هذا؟ بل الرسول أحسن ظنه ويقينه بربه ومات محفوظا مهابا وخُيِّر بين الدنيا والآخرة فاختار الرفيق الأعلى.


6 -
كما نود الإشارة إلى نقطة هامة جدا أنه بالرجوع للنصوص المختلفة فى حديث الشاة سنجد أن الروايات فى تلك الواقعة تباينت حول حال المرأة التى وضعت ذلك السم للنبى أَقُتِلت أم عُفِى عنها، وسنجد أن الروايات الأقوى تقول إن الرسول عفى عنها، فإذا ما قلنا إن الرسول وهو الذى لا ينطق عن الهوى أقر أن السم الذى وضعته المرأة هو السبب فى قتله - على زعم البخارى- أفلم يكن هذا يستدعى من الصحابة إقامة القصاص على هذه المرأة اليهودية، ولكن الغريب أن ذلك لم يحدث ولم يكن له ذكر، وذلك لسببين فإما لهوان أمر قتل النبى المصطفى على أصحابه، وهذا من غير المعقول، وإما لأن هذه الرواية الضعيفة المنكرة هى كذب على رسول الله، وهذا هو الحق لأن الرسول لم يقتل بالسم لكى يقتص من قاتله.

7 -
ولتأكيد الأوهام فى هذا النص، آن لنا أن نحكم العلم، فقد بحثنا يمينا ويسارا وسألنا الأطباء الحذاق، وتأكدنا من أنه لا وجود لسم فى تاريخ الإنسانية يبدأ عمله فى جسم الإنسان بعد ثلاث سنوات أو حتى يظل أثره المميت لمدة ثلاث سنوات، حيث قدمت الشاة للرسول فى خيبر فى العام السابع الهجرى، فأى سم هذا وأين هو؟ فلن نجد هذا السم إلا فى الأساطير والخرافات، فما قول أهل التراث فى ذلك؟

8 -
معارضة هذه الرواية الضعيفة للنصوص الصريحة المتصلة السند التى ذكرناها، فكيف بعد إقرار النبى نفسه بعصمته لنفسه أن السم لا يضره أبدا نأتى برواية ليقول فيها إنه يموت من أثر ذلك السم؟ سبحان الله أى عقل يقبل ذلك؟ فإذا قبلنا الرواية هذه يكون النبى قد أضره السم كما قال له اليهود فيصبح بذاك استنتاجا أنه ليس نبيا البتة، وكذلك يصبح كلامه -معاذ الله- للمرأة اليهودية فى الرواية الثانية باطلا وأن الله سلطها عليه أن تقتله بعد ثلاث سنوات، فإما قبول الروايات الصحيحة ورد الحديث المعلق، وإما رد الروايات الصحيحة بالحديث المعلق الضعيف ولا يمكن الجمع بينهما على الإطلاق.

الاستنتاج:

هذا الحديث المعلق الذى أخرجه البخارى وحده فى أمة الإسلام هو حديث اجتمعت فيه كل المعايب والعلل سندا ومتنا، فهو آحاد غريب وشاذ ومنقطع السند ومنكر المتن ومخالف للقرآن ولعصمة النبوة وللعقل وللعلم، فماذا بقى بعد ذلك لنرد هذا الحديث الضعيف فى «البخارى» انتصارا للحق وللشرع ولعقولنا.

الخلاصة:

ما كان الله ليترك نبيه فريسة لغدر اليهود المتوارث، ولكى نقبل حديث البخارى ولكى يستريح مقدسو التراث يجب أن نزيد - معاذ الله - على آية العصمة لتقول «إن الله يعصمك من الناس» - إلا اليهود -، فكيف نقبل حديثا به كل هذه المعايب لمجرد أن رجلا واحدا مهما علا شأنه قرر أن يخرجه لأنه رآه صحيحا، فهل أصبح عقل البخارى أو تصحيحه وحده بلا متابع هو إجماع الأمة، ويا ليت ذلك فى واقعة عادية بل فى حدث جلل وكبير وقد حذرنا الله فى الكتاب بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا» الأحزاب 69، فأى إيذاء للنبى أكبر من أن نطعن فى نبوته بالكلية، والآيات تنضح بعصمته.

لذا فإننا يجب أن نوقن أن قتل النبى بالسم فرية كبرى آن لنا أن نتبرأ منها.

تاريخ تحقير النساء فى التراث الإسلامى طويل ومعقد ولايرضاه القرآن أو السنة


إسلام بحيرى رئيس مركز الدراسات الإسلامية

هل تتصور ان بعض كتب الحديث والتفاسير تصور المرأة باعتبارها أقرب الى النعجة؟! وتساوى بين المرأة والكلب فى قطع صلاة الرجل، تقرأ مثلاً فى القرطبى فى (الجامع لأحكام القرآن) (15/172) يقول فى تفسيره لآية{ إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } ما نصه:«والعرب تُكنِّى عن المرأة بالنعجة والشاة؛ لما هى عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب. وقد يُكنَّى عنها بالبقرة والحجرة والناقة، لأن الكل مركوب».

وقد لا أجد تعبيرا أكثر رؤية وشمولية وأصدق لهجة يعبر عن عقلية أهل التراث من المفسرين والفقهاء وأهل الحديث إلا ما تفضل به علينا القرطبى, حيث يجزم فى معرض تفسيره أن المرأة يكنَّى-كناية التعبير- عنها بالنعجة والشاة لما هى عليه من السكون والمَعجَزة - العجز الشديد - وضعف الجانب, مردفاً من فيض علمه الغزير وموضحا أنه يمكن كذلك أن يكنَّى-يعبر- عن المرأة بالبقرة والحُجرة - أنثى الفرس - والناقة لأن الكل مركوب أى أن الثلاثة يركبهم الرجل, ويا هول هذه الكلمات العليلة القبيحة الفجة التى وصم بها القرطبى نصف أمة النبى المصطفى, ووصم بها أمهات المؤمنين ووصم بها أمه هو نفسه بأنهن لا يختلفن كثيرا عن البقرة وأنثى الفرس والناقة حيث الكل مركوب, والغريب أن القوم من أهل التراث كانوا يتمتعون بجرأة عجيبة قلَّما نجدها عند المعاصرين، فالرجل لا يستحى أن يكون هذا رأيه فقط، بل إنه وتأكيدا للتكبر والغلو يضع رأيه بين ثنايا تفسير القرآن العظيم, القرآن الذى نزل بروح العدل والتساوى والحرية والعزة للمؤمنين جميعا رجالا ونساءً (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون 8), ولذلك فإن كلمات القرطبى هذه إنما هى تلخيص بليغ لروح الجاهلية التى عادت فى الظهور تجاه المرأة من خلال وسم الدين بآرائهم وطبائعهم واستنطاق الأحكام الشرعية الإلهية برؤى فقهية بشرية وبروح طبقية ذكورية تحتقر المرأة من المهد إلى اللحد، وتحط من شأنها وتفسر القرآن العظيم بالهوى والعادة, ومن تلك العقليات ظهرت وانتشرت واستقرت تفسيرات ومفاهيم نقصان العقل والدين والضلع الأعوج وأصبح تحقير المرأة نوعا من الحفاظ على التقاليد من خلال هذه العقليات العصبية القبلية التى جعلت من المرأة إنسانا من الدرجة الثانية.


ولأن تاريخ تحقير النساء فى التراث الإسلامى تاريخ طويل ومركب, يمثل لوحة فسيفساء كبيرة جدا فليس أمامنا إلا تفكيك هذه الفسيفساء قولا ورأيا وحديثا وتفسيرا, وقد اخترنا للمناقشة فى هذا المقال حديثين فقط أخرجهما (مسلم) عن أسباب قطع صلاة الرجل المسلم.

الحديث الأول: أخرج (مسلم) 4/228: «حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية.ح قال وحدثنى زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت، عن أبى ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلى، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل. فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود. قلت: يا أبا ذر! ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخى! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فقال »الكلب الأسود شيطان».

الحديث الثاني: أخرج (مسلم) فى نفس الباب 4/228: «حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا المخزومى، حدثنا عبدالواحد، حدثنا عبيد الله بن عبدالله بن الأصم، حدثنا يزيد بن الأصم, عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقى ذلك مثل مؤخرة الرحل». والمعنى فى الحديثين قد لا يحتاج إلى شرح وهو أن الرجل إذا صلى لغير سُترة مثل مسافة أو طول مؤخرة رحله يقطع صلاته مرور الحمار والمرأة والكلب.


هنا يجب نقد متن - نص - الحديث لتعارضه مع أحاديث صحيحة صريحة، فنحن نعلم أن السنة النبوية فى أصلها هى أفعال للنبى الكريم نقلت عنه وأقوال حفظت منه، وأنه فى حال تعارَض حديثان للرسول أحدهما سنة فعلية أو تقريرية كأن يشهد قوم من الصحابة أن الرسول فعل كذا أو سكت عن فعل كذا, والحديث الآخر سنة قولية محفوظة رجحت كفة السنة الفعلية أو التقريرية على كفة السنة القولية التى يعتريها الخطأ فى الحفظ والسهو والخلط والخرف والنسيان والكذب والتدليس المتعمد والرواية بالمعنى من رواة الحديث.


الأحاديث المعارضة

1-
أخرج البخارى 1/751، وأخرج مسلم نفسه4/221: «حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة، عن عبدالله بن عباس أنه قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدى بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت فى الصف، فلم ينكر ذلك على أحد».

وهذا الحديث يؤكد فيه ابن عباس الصحابى الجليل أنه أقبل على الرسول فى جماعة يصلى بالناس وهو راكب على حمار أتان -أنثى الحمار- ورسول الله لا يتخذ جدارا ولا سترة وأنه نزل وصلى معهم, وظلت الأتان تسعى بينهم فلم ينكر عليه الرسول ذلك الفعل ولا أى من المصلين, فكيف يقر رسول الله بذلك ثم يقول عكسه.


مناقشة أقوال التراثيين فى هذا الحديث:

رغم وضوح الدليل فى كلام الصحابى الجليل ابن عباس والذى ينقض ويهدم الحديثين المرويين عن قطع الصلاة, فإن التعنت والغلو المعهود فى عدم رد أى حديث فى البخارى أو مسلم جعل الشرَّاح يلتفون حوله بأقوال واهية, فيقول (أبو زرعة العراقى) فى طرح التثريب 2/391): «حديث ابن عباس ليس صريحاً فى مخالفة حديثى (أبى ذر وأبى هريرة) لأن ابن عباس قال: (فمررت بين يدى بعض الصف) ولا يلزم منه أنَه مر بين يدى النبى، ولا الأتان التى كان عليها. والإمام سُترة للمأمومين وإن لم يكن بين يديه سترة، ولا يلزم من قوله فيه (إلى غير جدار) ألا يكون ثَم سترة».

والمعنى أن أبا زرعة يقول كلاما غاية فى العجب فيقول إن تلك الرواية ليست دليلا على مرور ابن عباس بين يدى النبى لأنه قال (فمررت بين يدى بعض الصف) ومع عدم تسليمنا بهذا فماذا عن قول ابن عباس (يصلى إلى غير جدار) فيقول أبو زرعة إن ذلك لا يتطلب تباعا ألا يكون هناك سترة من الأساس فلعل هناك سترة غير الجدار, وإذا صدقنا هذا القول فيجب أن نعترف أن ابن عباس قد قال كلاما زائدا فى الحديث ليس له معنى, لأنه لماذا يقول« إلى غير جدار» وهو يعلم أو يرى أن هناك سترة أخرى للنبى, وبالله على أى عاقل لماذا ذكر ابن عباس ذلك إلا إذا كان قاصدا المعنى المراد أنه يصلى وأمامه فراغ, ثم ماذا عن قول ابن عباس ( فلم ينكر على أحد) فلا يمكن تخيل أن ابن عباس يحكى قصة للأطفال, بل يقول ذلك عامدا أن يخبرنا معنى واضحا أقرَّه النبى وإلا لو أن ابن عباس يعلم أن الإمام سترة للمأمومين وأن الحمار لم يمر بين يدى النبى إذن لماذا يحكى ابن عباس الحديث من الأصل, وما وجه الاستدلال فى الرواية فهل يحكيها على سبيل الفكاهة مثلا ولماذا ختم قوله بجملة (فلم ينكر على أحد) إذا كان يعلم أن ما فعله لا يستدعى أصلا أن ينكر عليه أحد, فهل ابن عباس لم يكن يعلم أن هذا الذى فعله لا يستحق الإنكار وأبوزرعة وأهل التراث هم الذين يعلمون.


2-
أخرج البخارى 1/773، ومسلم 4/229: «عن عائشة: ذكر عندها ما يقطع الصلاة، الكلب والحمار والمرأة، فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب، والله لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلى، وإنى على السرير، بينه وبين القبلة مضجعة، فتبدو لى الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذى النبى صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه«.

وقد كرر البخارى الحديث مرات عدة فى الشواهد والمتابعات, والمعنى الواضح الصريح أن ما ذكر من قطع المرأة والحمار والكلب للصلاة قد تداول على ألسنة بعض التابعين حتى وصل لأسماع أم المؤمنين عائشة وهى الفقيهة التى عاشت الإسلام من خلال التطبيق العملى السهل المرن فى بيت النبوة, وهى النبيهة الذكية الفطنة وهى معلمة الصحابة, فقالت بذكائها وعلمها وقراءتها للمستقبل الذى لاحت فى أفقه بعد وفاة النبى بوادر وشواهد عودة الجاهلية تجاه المرأة, فقالت غاضبة ومنكرة وحازمة (شبهتمونا بالحمر والكلاب) وهى بذلك قد أخرجت المعنى والسياق من سياق مصطنع للحديث يمثل شرطا تعبديا للصلاة إلى السياق الحقيقى وهو إذلال المرأة وتحقيرها ويالها من فطنة حقيقية لأم المؤمنين- ثم أقسمت بالله صادقة وقالت (والله لقد رأيت النبى يصلى، وإنى على السرير، بينه وبين القبلة مضجعة، فتبدو لى الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذى النبى، فأنسل-أخرج- من عند رجليه) والمفهوم والمعقول أن هذا الحدث ربما يتكرر يوميا فى حياة الأزواج أى أن الرسول الكريم قد توفى وهو لا ينكر أن تكون أم المؤمنين الحبيبة والزوجة معترضة وقاطعة فيما بينه وبين القبلة من غير وجود سترة ولا شىء, فماذا قال التراثيون تفسيرا لهذا الحديث الذى ينقض صراحة حديثى (مسلم).


مناقشة أقوال التراثيين فى هذا الحديث

وقد أبدع التراثيون وتوسعوا فى مدى التعنت والجرأة والالتفاف على معنى هذا الحديث الواضح كالشمس, والذى قالته أم المؤمنين قاصدة رد الرواية المكذوبة على النبي, وقد تفرقوا على ثلاثة أقوال كلهم يسعى بأى سبيل لتصحيح الحديثين فالمهم أن يعيش مسلم سالما من الرد والتضعيف.

القول الأول: يقول (ابن خزيمة) فى صحيحه 2/21: «الدليل على أن هذا الخبر -أي: حديث أبى ذر- فى ذكر المرأة ليس مضادا لخبر عائشة، إذ النبى إنما أراد أن مرور الكلب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلى لا ثوى الكلب ولا ربضه ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلى وعائشة إنما أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدى النبى وهو يصلى لا أنها مرت بين يديه»، أما ابن القيم فيقول فى (زاد المعاد) 1/306: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وعائشة نائمة فى قبلته، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة دون لبثها».


ولنشرح معنى ما تقدم أولا, يقول (ابن خزيمة) إن الحديثين عند (مسلم) عن قطع المرأة والحمار والكلب للصلاة لا يعارضان قول (عائشة) أنها كانت تستلقى بين رسول الله والقبلة حين صلاته, لأن الحديثين مقصود بهما أن مرور المرأة هو الذى يقطع الصلاة أما أن تنام وتستلقى بين الرجل والقبلة فلا يقطع الصلاة, وكذلك جلوس الكلب وربض الحمار أمام المصلى لا يقطعانها بل مرورهما فقط, وبذلك يصبح الحديثان بلا تعارض فالذى يقطع الصلاة هو المرور وليس الجلوس أو الاستلقاء, وكذلك قال (ابن القيم) و هذا التفسير البغيض من (ابن خزيمة) ومثله الكثير مما اكتتبه أهل التراث قد يؤدى بكثير من الباحثين المعاصرين لفقد أحد شيئين، فإما أن نفقد عقولنا أو أن نفقد أخلاقنا, لأنه ليس من المستحب أن يقرأ الإنسان المسلم ما يشعره أنه مغيَّب أو مغفل أو أنه حيوان يحمل قرونا فوق رأسه, فكيف يقول عاقل فضلا عن أن يصدقه العقلاء أن مرور المرأة يقطع الصلاة وجلوسها ونومها أمام الرجل لا يقطعان الصلاة, فهذا التفاف حول الحقيقة غاية فى السخف والجهالة لا يراد به إلا تصحيح حديثى مسلم حتى لو كانا يعارضان فعل النبى وإقراره.


ولكن النقطة الأهم أن تفسير (ابن خزيمة) وأعوانه يخلِّف مشكلة دينية كبرى, ويولد من ورائه خطأ فاحشا بليغا بحق أم المؤمنين, فإذا كانت أم المؤمنين عائشة قد أقسمت على أنها كانت تعترض بين الرسول وقبلته ردا على الرواية التى نسبت للرسول أن الحمار والمرأة والكلب تقطع الصلاة, معنى ذلك أن السيدة عائشة كانت تعلم جيدا أن الاضطجاع أو النوم أمام المصلى هو أشد من المرور من أمامه, وأن ذلك الحدث الذى روته وأقسمت عليه إنما يهدم ويرد الرواية المنسوبة للنبى انتحالا وزورا, أما إذا أخذنا بكلام (ابن خزيمة) وأعوانه أن الاضطجاع والاستلقاء يختلف عن المرور, لاتهمنا أم المؤمنين صراحة بالجهالة وعدم الفقه-معاذ الله- حيث إنها لا تعلم الفرق بين النوم والاستلقاء أمام المصلى وبين المرور لأنها إن كانت تعلم أن النوم والاستلقاء هو بخلاف المرور فلماذا إذن ردت الرواية المزورة بهذا الحديث الذى روته, فهناك حلان لهذا المأزق الذى وقع فيه (ابن خزيمة) وإخوته, الأول أن عائشة وهى الفقيهة العالمة كانت تعلم أنه لافرق بين الاستلقاء وبين المرور أمام المصلى, بل إن النوم والاستلقاء أشد من المرور, ولذلك روت هذه السنة التقريرية عن النبى الكريم لتبطل بها الرواية الأخرى, وبهذا يبطل كلام (ابن خزيمة) وشركائه ويتضح التفافهم العليل وسخف شروحهم, أما الحل الثانى أن عائشة كانت قليلة الفقه والتدبر-معاذ الله- بحيث لم تتمكن من معرفة الفرق بين الاستلقاء وبين المرور أمام المصلى, وأنها قد استشهدت بسنة لرسول الله فى غير موضعها وردت حديثا بغير علم, لأنها من قلة علمها-معاذ الله- لم تكن تعلم أن المرور بين يدى المصلى وهى زوج الرسول فى بيته لتسع سنوات- يقطع الصلاة وأن النوم بخلاف المرور, وبذلك يصبح (ابن خزيمة) وأعوانه هم الأعلم والأفقه والأنبه-من النباهة- من أم المؤمنين عائشة, وأنهم فهموا ما لم تفهمه وعلموا ما لم تعلمه, وبالتأكيد فإن هذا الحل يليق بالمخابيل والحمقى الذين يظنون أن (ابن خزيمة) وكل أهل التراث أفقه من السيدة عائشة.


القول الثانى لأهل التراث: أما البعض فقال إن الحديثين ليسا على ظاهر معنى قطع الصلاة, ولكن المعنى هو الانشغال عنها رهبا- خوفا - من الكلب والحمار, ورغبا - رغبة وشهوة بالمرأة, وهذا الرأى أيضا بلغ من الحماقة والسخف مبلغا كبيرا, فمن أين أتوا بأن معنى قطع الصلاة ليس على ظاهره فلا دليل لغويًا ولا اصطلاحيًا ولا إشاريًا على أن القطع المراد به الانشغال فقط, أما الشق الثانى وهو الكلام عن الخوف من الكلب والحمار فقد علمنا ورأينا من يخاف من الكلب ولكننا لم نسمع أبدا أن أحدا يخاف من الحمار, ثم إذا كان الانشغال بسبب الخوف فقط فلماذا لا يقطع الصلاة الذئب والفرس والجمل والتمساح والثعبان والأسد وكل حديقة الحيوان, أما قولهم إن المرأة ينشغل بها الرجل شهوة, فهذا كلام مذموم لا يقع من مؤمن, وحتى إن فعل أحدنا ذلك فهو مريض القلب وقليل الإيمان وعليه هو الملامة والذنب, وليس على المرأة التى مرت, ولا يمكن أن يعمم رسول الله حكما لمرضى القلوب على سائر أمته, وإذا كان الأمر بهذا المنطق فلماذا لا يقطع الرجل صلاة المرأة أيضا فلعلها تنشغل به إذا مر أمامها أليست بشرا مثله, أم أن صلاتها تهبط إلى الأرض وصلاة الرجل هى التى تصعد للسماء.


القول الثالث: ذهب إلى أن الذى ذكرته أم المؤمنين خاص بالزوجة وأن الرسول كان مقصده هو مرور المرأة الأجنبية, ولا أدرى كيف امتلك هؤلاء الجرأة ليفتشوا عن نية النبى ويستنطقونه بما لم يقل, لأن ظاهر الكلام لغة ومعنى ودلالة لا يمكن أن يقبل التخصيص, فالمفترض أن ما نسب للرسول قوله يقطع الصلاة المرأة بالعموم فكيف خصصوا المرأة الزوجة عن الأجنبية.


نقد سند الحديثين

الحديثان آحاد وقد قال أغلب أهل الحديث والفقهاء إن حديث الآحاد يرد إذا خالف المقطوع به, لأنه لا قدسية لحديث آحاد أو غيره طالما خالف الثابت المعقول من القرآن أو سنن الرسول الفعلية والتقريرية.

نقد السند فى الحديث الأول:

يكفى لبيان اضطراب السند ذكر أن مدار الرواية على (عبدالله بن الصامت) فماذا قال فيه أهل الجرح والتعديل: (الرازى 5/84): «بصرى يكتب حديثه» وهذه درجة ضعيفة لتعديل - عدالة - الراوى حسب اصطلاحات الجرح والتعديل فهو يكتب الحديث ولا يحتج به, وقال (الذهبى): «يكتب حديثه», وقال (أبو حاتم): «يكتب حديثه», وقال (ابن سعد): «كان ثقة، وله أحاديث» أى له أحاديث أخطأ فيها, أما (ابن رجب) فقال:»والبخارى لا يحتج بحديث عبدالله بن الصامت، ولم يخرج له فى كتابه شيئا». والمعنى أن البخارى لا يحتج بهذا الراوى ولم يرض به لحد أنه لم يخرج له فى (الجامع) ولو حديثا واحدا.

نقد السند فى الحديث الثانى:

ومدار الرواية فيه على (عبيدالله بن عبدالله بن الأصم) وقال بعضهم بل هو شقيقه (عبدالله بن عبدالله بن الأصم) فماذا قال أهل الجرح والتعديل فيهما:
أولا (عبيدالله): قال (ابن رجب): «لم يخرج البخارى ليزيد بن الأصم، ولا بنى أخيه عبدالله بن عبدالله، وأخيه عبيدالله شيئا», وقال ابن حجر عن (عبيد الله):
«مقبول» وهذه أضعف درجات التصحيح عند أهل التعديل.

أما (عبدالله): فقد قال ابن حجر: «صدوق», وقال أبو حاتم: «شيخ» وهى أيضا درجات ضعيفة من القبول. وعلى هذا يظهر عوار واضطراب السند فى الحديثين مع مخالفة ونكارة متنهما-نصهما-للصحيح الثابت المقطوع به؛ لذا فقد رد الشافعى أحاديث المرأة والحمار والكلب (مختلف الحَدِيْث) (8/512) لمخالفتهم حديث عائشة وغيره, وجاء فى (فتح البارى) (1/589): «قال أحمد: «يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفى النفس من الحمار والمرأة شىء»، أى أن أحمد بن حنبل كان يرتاب فى رواية قطع المرأة الصلاة.


ولهذا فالحديثان فى (مسلم) مردودان لأنهما مضطربا السند ومنكرا المتن ولا يصح لنا دينا ولا عقلا أن ننافح عن الباطل ونحن نعلمه, لأن رد حديث فى البخارى أو مسلم هو أمر أكاديمى وبحثى بحت وليس أمرا دينيا يدفع لجنة ولا نار.


عزيزتى المرأة المسلمة يا نصف أمة النبى ويا أيتها الإنسان الكامل, نعتذر منك كثيرا مما فعله التراثيون ونعتذر منك أن تذكرين فى جملة مفيدة مع الكلاب والحمير لأنك أكرم على الله من ذلك, فلا تصدقى أن هذا الكلام من قول النبى وهو (أبو البنات), ونعتذر منك عن البذاءات والغباءات التى اكتتبها القرطبى وكثير مثله من الغث الذى حملته كتب التراث من حطٍ وتحقير لمكانتك العليَّة, حيث لا ريب أن هذا التراث قد حمل بين ثناياه أضعاف أضعاف هذين الحديثين من التحقير والتهميش لدور المرأة المسلمة, ولا ريب أيضا أنه أصبح لزاماً أن نستدرك هذه الأخطاء التاريخية ونستأصلها من عقولنا لأن ذلك هو روح الدين وهدف وجوده فى الأرض.

الرد علي الدكتور محمد عماره


سألنى أحد المقتنعين بالبحث الذى قدمته عن عمر زواج السيدة عائشة بالنبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً هاماً، وقال لي أنا قرأت مجموع أبحاثك المقدمة فى اليوم السابع، ولكنني ورغم إحساسي بصدق توجهك احترت فى استبيان الهدف والمرمى من أبحاثك؟
وللإجابة على هذا السؤال ومن هذا المنطلق فكرت ملياً أن أكتب هذه المقالة ليس رداً على محمد عمارة أستاذ الأزهر، ولكن كما سميتها مقالة فى حب النبى، فكل أبحاثي ومقالاتي لا تهدف على الإطلاق إلى هدم التراث بل إلى التنقيح فقط، ولكن التنقيح الذى لا يتعثر فى عقبات مصطنعة، فمقبول أن ننقح الطبرى وليس مقبولاً أن نقترب ولو بالهمس من البخاري، ورغم أن البخاري أو غيره ليس هو قضية أى باحث جاد إلا أنني كنت أتمنى أن تتسع الرؤية أكبر من ذلك.

يا سادة نحن نتحدث عن "محمد" صلى الله عليه وسلم هذا الإنسان العظيم الذى كان قرآناً يمشي على الأرض كما وصفته أم المؤمنين عائشة، "محمد" الذى رسمته كتب التراث رسماً شائهاً ورسمت دعوته وحياته بخط معوج لا يستقيم، كيف يقول لنا الله فى القرآن يخبرنا عنه"وإنك لعلى خلق عظيم"، ثم يأتي من أنار لهم الطريق وأنقذهم من غيابة الجب المظلم ليحشوا كتبهم بكل السقيم والقبيح والمستهجن واللامعقول عنه، كيف يقول الله له "والله يعصمك من الناس"، ثم نقول إن يهودياً فى المدينة تلاعب، معاذ الله، بعقل النبى وسحره حتى كان يتخيل أنه فعل الشىء وهو لم يفعله، كيف يقول الله له فى القرآن "إنك بأعيينا" ثم يقول البخارى إن النبي مات من أثر السم الذى دسته له المرأة اليهودية فأين الحفظ والعصمة، وكيف؟وكيف؟وكيف؟


آلاف الأسئلة التى جاء أوان الكتابة عنها ونقضها بالحجة والدليل لا فرق فيها بين البخاري أو مسلم أو غيرهما، أما لو تخطينا فكرة الدس والوضع فى وعلى أحاديث النبى الكريم، وانتقلنا لوجدنا فى كتب التراث "الحديث- التفسير- السيرة- التاريخ" ثم تراثنا الفقهى لوجدنا إرثاً ثقيلاً يحتاج إلى مراجعة شاملة لا تستثنى أحداً من أهل التراث ولا تستعظم إلا الهدف الذى نسعى إليه جميعاً أن يعود الإسلام دين العقل والحرية وأن يعرف المسلم قبل غيره عندما يتكلم عن "محمد" من هو محمد صلى الله عليه وسلم.


ولهذا صدمت عندما وجدت بعض رجالات الأزهر يسبون ويشتمون البحث المقدم عن عمر السيدة عائشة وصاحبه، ولو أنهم ناقشوا بالعقل والحكمة والدليل لكان خيراً لنا جميعاً، ولكن هذا ما أرادوه وكأننا لو أثبتنا بالدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج طفلة تلعب بالعرائس على سريرها فكأن هذه هى الإدانة والإهانة لرسول الله، وكأننا لو صدقنا أنه تزوجها –حسب رواية البخاري- ودخل بها وهى لا تميز الفرح من البكاء وتلعب بعرائسها على مضجع الزواج لكان ذلك هو التعظيم والتبجيل للنبي، سبحان الله يا أهل العقل كيف تحكمون ألهذا الحد وصل الاختلال فى الموازين؟ ألهذا الحد بلغت حرقة القلب على بضعة أسطر دونها البخاري ولم يحرق القلب على سيرة وحياة إنسان ونبي أوصانا الله به فى القرآن وقال "قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى" المودة له والقربى له وليس أحداً آخر، ولكن هذا ما جناه علينا تراثنا ونحن نحاول ألا نجني على أحد.


ولكل هذا وتقديراً لجلال النبي الذى قدمت البحث فيه وعنه وليس لقيمة البحث ولا لصاحبه أرد على محمد عمارة أستاذ الأزهر لا لكي يتأكد الجميع أن البحث متين وراسخ، ولكن لكي يوقن الجميع أن نبيهم تزوج من امرأة ناضجة شابة أحبت هذا العظيم وبادلها هو حباً ومات عنها وهي أستاذة أشياخ الصحابة، مات عنها وهي أمنا التى لا تلعب بالعرائس بل أمنا الفقيهة العالمة أم المؤمنين عائشة.


فإليك يا أستاذ الأزهر أقول:

1) قلت:"يظهر فى هذا البحث الكذب والاختلاق والجهل".
وأقول:

وهذه البداية الأسوأ لأي شيء أكاديمي وليس بحثاً فحسب، والبداية الأخطأ لأى باحث، فضلاً عن أنه أستاذ، فقد حكمت وشتمت وجهَّلت وكذَّبت، وإذا نظرنا للدليل على ذلك فلن نجده كما سأبين.

2) وتعقيباً على الكلام الذى كتبه الأستاذ جمال البنا فى المصرى اليوم، وهو "وجد الباحث فى نفسه حمية للدفاع عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم- لعلها لم توجد فى غيره" ، قلت أنت يا أستاذ الأزهر:"وهذا محض كذب وافتراء، وفعله ليس دفاعًا عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم- ولا حمية له، بل هذه محاولة من محاولات القضاء على سنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم- من خلال التشكيك فى الأحاديث الواردة، وبث الريبة فى نفوس العامة نحو الأئمة الأعلام".


وأقول لك:

من أين لك أن تعرف أنني أحاول القضاء على سنة المصطفى هل تتبعت أبحاثي؟ هل قرأتني؟ هل عرفت أو حاولت أن تعرف ما هي أبحاثي السابقة التى تنشر منذ تسع سنوات، ولكنك ماذا فعلت ظننت بغير حق وجزمت بدون حجة وتكلمت بما لم تحط به خبراً.

3) ثم قلت: "ذكر الباحث نقلاً من كتب (الكامل، وسير أعلام النبلاء، وتاريخ الطبرى، ووفيات الأعيان، والبداية والنهاية، وتاريخ بغداد، وتاريخ دمشق)، ما يؤكد أن عائشة قد ولدت قبل البعثة، بانيًا وهمه هذا على ما روى من فارق السن بينها وبين أختها أسماء وهو عشر سنوات، وهذا يضعف ـ فى زعم الصحفى ـ حديث البخارى الذى يثبت فيه أن النبى صلَّى الله عليه وسَلَّم، تزوج عائشة وهى بنت ست ودخل عليها وهى بنت تسع سنين وقد رجعت إلى تلك المصادر التى اعتمد عليها الصحفى وعلى غيرها من أمهات الكتب فلم أجد ما زعمه إلا روايات لا تشهد له بشىء؛ ففى كتاب معرفة الصحابة لأبى نعيم (6/ 3208)، والبداية والنهاية (3/ 131)، وسير أعلام النبلاء (3/ 427)، وأسد الغابة (7/ 7، 186، 216)، وتاريخ الإسلام (3/ 604، 698)، والسمط الثمين فى مناقب أمهات المؤمنين لمحب الدين الطبرى (صـ 36)، أضف إلى ذلك ما ذكره ابن هشام فى السيرة وهو أسبق من هؤلاء جميعًا فى عدم تمييز عائشة البكاء من الفرح قبل الهجرة لصغر سنها، جاء فى سير أعلام النبلاء أيضًا (3/ 522) وكذا تاريخ الإسلام: "وكانت -أى أسماء- أسن من عائشة ببضع عشرة سنة"، وإن كنا لا ننفى الرواية الواردة بأن الفارق بينهما عشر سنين فقط، إلا أنها لا تصح فإذا كانت كتب التاريخ تؤكد أن وفاة أسماء كان سنة 73 هـ وتوفيت عن عمر 100 سنة، وأن أسماء هاجرت وعمرها 27 سنة وهذا يعنى أنها حينما أسلمت كان عمرها 14 سنة بطرح مدة الدعوة المكية 13 من مجموع السن 27-13 =14، والثابت أنها كانت أكبر من عائشة ببضع عشرة سنة على الراجح كما ذكر ذلك الذهبى وغيره، والبضع من 3 إلى 9 فلو اعتبرنا ما بين أسماء وعائشة، لوجدنا أن البضع عشرة سنة هو ما بين 13 إلى 19 سنة، وعليه فتكون عائشة قد ولدت فى السنة الخامسة من البعثة، أى فى الإسلام وليس قبل الإسلام، وهذا ما يتفق مع الكتب السابقة".


وأقول لك يا أستاذ الأزهر:

قلت في البداية بعد ذكر الكتب التي استندت إليها أنا فى بحثي أن ذلك وهم، ثم أردفت كلاماً والله لا أعرف ماذا أقول عنه فقلت:"وقد رجعت إلى تلك المصادر التى اعتمد عليها الصحفى وعلى غيرها من أمهات الكتب فلم أجد ما زعمه إلا روايات لا تشهد له بشىء؛ ففى كتاب معرفة الصحابة لأبى نعيم (6/ 3208)، والبداية والنهاية (3/ 131)، وسير أعلام النبلاء (3/ 427)، وأسد الغابة (7/ 7، 186، 216)، وتاريخ الإسلام (3/ 604، 698)، والسمط الثمين فى مناقب أمهات المؤمنين لمحب الدين الطبرى (صـ 36)، أضف إلى ذلك ما ذكره ابن هشام فى السيرة وهو أسبق من هؤلاء جميعاً فى عدم تمييز عائشة البكاء من الفرح قبل الهجرة لصغر سنها".

وأقول لك:

أين هي المراجع التى رجعت إليها مما رجعت أنا إليه؟ ولماذا عممت الكلام وقلت هناك "روايات لا تشهد بشيء" لماذا لم تأت بالروايات لتعرضها على القراء، وانتظرت أن تفاجئنى بكتب تدحض رواياتي فجئت بما أدنت به نفسك من دون أن تدري، وأنا إمعاناً فى كشف ما سميته رداً سأتتبع الكتب التي زعمت أنها ترد بحثي، فأنت ذكرت كتاب (معرفة الصحابة لأبى نعيم (6/ 3208)، ورجعت إلى مصدرك وأنا هنا لن أكتب ما كتب، بل سأعرض للقراء صورة طبق الأصل من الكتاب والجزء والصفحة التي استشهدت بها أنت:


وأقول لك:

ماذا فعلت بنفسك يا أستاذ الأزهر لقد كررت حديث البخاري ولم تزد، أين يا أستاذ الأزهر ما قلت أنه يدحض رواياتي؟ إذا كان تكرار رواية البخاري دليلاً فأنا بحثي مقدم لينقض رواية البخاري فما لكم كيف تحكمون؟ أين يا أستاذ الأزهر الروايات الكثيرة التى تقول إن أسماء أكبر من أختها السيدة عائشة ببضع عشرة سنة؟ ثم انتقلت للكتاب الثاني الذي سيرد على رواياتي فقلت:"والبداية والنهاية (3/ 131)"، ثم قلت:"وسير أعلام النبلاء (3/ 427)"، فوجدنا نفس الروايات المكررة وبعضها لم نجد روايات من الأصل لعلك قد اختلطت عليك أرقام الأجزاء والصفحات.

ثم ختمت بقولك:"أضف إلى ذلك ما ذكره ابن هشام فى السيرة وهو أسبق من هؤلاء جميعًا فى عدم تمييز عائشة البكاء من الفرح قبل الهجرة لصغر سنها".


وأقول لك:

سبحان الله أتفرح أن تستشهد بأن زوجة النبي عندما دخل بها كانت لا تميز الفرح من البكاء، والله إن البكاء الحقيقي على كلامك وإني لأرثي لحالك، أتفرح يا أستاذ الأزهر عندما تجد رواية ضالة عن أن النبي تزوج "بطفلة بلهاء" لا تميز، سبحان الله، والله إن اليهود أنفسهم لم يفعلوا ذلك بمحمد.

كما أنك إلى حد سطرك هذا لم ترد من الكتب التى جئت أنا منها برواياتي ولم تنقل منها، كما أننا رجعنا كما بينت لكتبك لعلي أجد رواية "البضع عشرة سنة" فلم أجدها فأين ردك العلمى يا أستاذ الأزهر.


4) وسبحان الله ورغم أنك لم تأت بنقل واحد يؤيد وجهتك وتركت لنا أرقام الصفحات التي ليس بها أى دليل إلا إعادة ذكر حديث البخاري كما صورت لك الصفحة سابقاً، فلما أخيراً وجدت رواية واحدة توافق هواك قلت:"جاء فى سير أعلام النبلاء أيضاً (3/ 522) وكذا تاريخ الإسلام: "وكانت -أى أسماء- أسن من عائشة ببضع عشرة سنة"، وإن كنا لا ننفى الرواية الواردة بأن الفارق بينهما عشر سنين فقط، إلا أنها لا تصح".


وأقول لك:

إن المكابرة وصلت معك لمنتهاها فأخذت رواية واحدة فى سير أعلام النبلاء وتركت الباقين من دون أن تذكر لنا السبب ففعلت أنت بنفسك ما أنكرته علي أنا، وكأن ترجيحك رواية على الأخرى حلال لك ولكم وترجيح رواية من عندي حرام علي، ولإكمال الكبر قلت إن الرواية الأخرى لا تصح، ولم تقل للقراء ولا لي لماذا لا تصح؟ لو أنك صادق لأتيت بكلمة واحدة فى كتاب (سير أعلام النبلاء) يرجح فيها "الذهبى" رواية على الأخرى، ولكنك يا أستاذ الأزهر لن تجد فلماذا رواية العشر سنين لا تصح يا عمارة؟
وأنا آتيك بالروايات الأغلب والأكثر فى نفس الكتاب الذي استشهدت به على رواية "البضع عشرة سنة"، وكالعادة مصورة لأن الصورة تغنى عن الكلام، سير أعلام النبلاء: ج : 2 ص : 289:


وإليك الرواية الثانية أيضاً مصورة: سير أعلام النبلاء ج:3 ص:380


وحتى الرواية الثالثة لم يحدد الذهبي فيها فارق السن وأتى بها معممة وقال: سير أعلام النبلاء ج3 ص :379

وأقول لك:

إذن من الذى يدلس على الناس يا أستاذ الأزهر ؟وما الذى جعل رواية العشر سنين-من ذات الكتاب الذى احتججت واستشهدت به أنت- وهى الأكثر انتشاراً تصبح على قولك:"لا تصح"، قل لنا إن كنت تعلم لماذا لا تصح؟

5) ثم بنيت قصوراً من الوهم على حسبة "البضع عشرة سنة" التي ليست فى قوة رواية "العشر سنين" والتي لم ترد فى كتب التاريخ والسير إلا قليلاً، والغريب والذي يفهمه القارئ الفطن أن جعلت البضع فى أقصى مدى له، فلماذا يا أستاذ الأزهر جعلته 19 عاماً، لما ليس 13، 14، 15، 16 لأنك تريد أن تضبطها لتوافق رواية البخاري ومرة أخرى أبحت لنفسك ما حرمته علي أنا.


6) ثم انزلق ردك في الإثم الكبير واتهمتني أنني نقلت نقلاً غير موجود فى كتاب "البداية والنهاية" ولأن أدوات الباحث والبحث هي موهبة قبل أن تكون صنعة، فلم تعرف أن النص موجود يا أستاذ الأزهر فما كنت لأفتري على كتاب الرجل وإليك كالعادة صورة من الكتاب لكي لا تعجل برد قبل أن تبحث جيداً ولن أسوقه مختصراً ليعرف القراء الحقيقة كاملة: البداية والنهاية ج4 ص 93/95:






وأقول لك:

الحقيقة لا أعرف ماذا ستفعل عندما تقرأ أن" إسلام عائشة وهي صغيرة" فيمن أسلموا قديماً من الصحابة قبل أن يؤمر النبي بالجهر بالدعوة ولتقرأها مرة أخرى:


ثم بعد ذلك:



فما قولك يا عمارة.

والغريب أنك تقول نصاً:"ولم يذكر ابن كثير خبرًا فيه ذكر أسماء فى السابقين إلى الإسلام، فضلاً عن عائشة".

وأقول لك:

يا إلهي لماذا وضعت نفسك فى الموقف؟ لماذا تجزم أن ابن كثير لم يذكر ذلك على الإطلاق؟ لماذا يا أستاذ الأزهر تجزم بما لا تعرف؟ وماذا سيكون موقفك أمام تلامذتك والقراء عندما تجد ابن كثير، يذكر الخبر الذى أنكرته تماماً فى ثلاث صفحات كاملات، ثلاث صفحات ياعمارة وليست ثلاثة أسطر سبحان الله!!.

7) ثم تقول نصاً بعد ذلك: "والعجيب أنه من رواية البخاري الذى يزعم كذبه ويستدل به، والأعجب أنه لم يفهم فحواه، ولعل عذره أنه لم يتخرج فى الأزهر كما يقول تلميذه البنا!، والحديث عن عائشة: "لم أعقل أبوى قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفى النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا قبل هجرة الحبشة..." وهذا كذب وتدليس من الصحفى ومتابعة على جهله من تلميذه البنا للوصول إلى مأرب وغرض خبيثين"، ثم بعد ذلك أوردت الحديث وقلت: "يعنى الأمر لم يتعدَّ الأيام التى خرج فيها أبو بكر يريد الحبشة، فرجع فى جوار ابن الدغنة، فلم يمتنع عن استعلانه بالقرآن فشكت قريش إلى ابن الدغنة، فخلع أبو بكر جواره فبشره النبى -صلَّى الله عليه وسَلَّم- برؤية أرض الهجرة".


وأقول لك:

ورغم كم الشتائم الهائل التي لا تليق بالبحث العلمي إلا أننى سأترفع عن ردها وأحاول أن أنتقي من بينها ما يمكن رؤيته للرد،
وأقول:

فى ماذا حرفت النص أنا ومن الذي حرفه، فأنت لم تحدد وقتاً لهذه الهجرة وتركتها هكذا ليظن القارئ أنها قريبة من الهجرة للمدينة، وهذا أكذب الكذب لأن هذه الهجرة التي قصدها الصديق كانت لاحقة بنفس هجرة الحبشة الأولى التي حددت أنا ميعادها بناءً على كتب التاريخ وسياقات الأحداث، وأنا سأبين ذلك للناس من النص ومن كتب التاريخ.

أولا النص:

أخرج البخاري: باب: جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده.
وأنا سأقتبس من الحديث ما يبين زيف ادعائك أن خروج الصدِّيق في هذا الوقت كان قريباً من الهجرة المدنية-:"لم أعقل أبوى قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون، خرج أبو بكر مهاجراً قبل الحبشة".

وأقول للعاقل فقط:

متى ابتلي المسلمون؟ مع ملاحظة أن كلام السيدة عائشة يقول "فلما" أي أن ذلك مع بداية الإيذاء الشديد، ثم تردف السيدة عائشة:"مر أبا بكر فليعبد ربه فى داره، فليصل، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، قال ذلك ابن الدغنة لأبى بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه فى داره، ولا يستعلن بالصلاة، ولا القراءة فى غير داره".

وأقول:

فإذا كان مشركو مكة يقولون إنهم يخشون إن أعلن الصدِّيق قراءته وصلاته يفتتن به الأبناء والنساء فى مكة، فمتى يا ترى كانت صلاة الصدِّيق تعد خشية وفتنة جديدة للمشركين يخشونها إلا فى أوائل الجهر بالدعوة في الفترة المصاحبة لهجرة الحبشة، فهل كان الكفار قبل هجرة المدينة بقليل –على زعم عمارة- أى بعد ثلاث عشرة سنة فى مكة مازالوا يخشون الفتنة على أبنائهم من قراءة الصدِّيق للقرآن. سبحان الله!!.

ثم يمضي السياق لتقول السيدة عائشة: "فابتنى مسجداً بفناء داره وبرز، فكان يصلى فيه، ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه".


وأقول:

فمتى يا هل ترى كان المشركون ما زالوا يعجبون وينظرون باندهاش من قارئ القرآن؟ أليس ذلك فى أوائل الجهر بالدعوة وإعلان الإسلام ديناً جديداً للعرب أم قبل هجرة المدينة بقليل؟
أما كلام السيدة عائشة بعد ذلك، فيثبت أن الأحداث لم تقترب من الهجرة النبوية بالمرة بل كانت في التاريخ الذى حددته أنا فى البحث، لأن الرسول يقول للصديق: "قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين"، ومعنى ذلك أن الرؤيا لم تكن وضحت بعد في الهجرة، وأن ذلك بشرى بالهجرة إلى المدينة فى وقت ما، كما أنزل الله سورة الفتح على نبيه قبل الفتح بوقت تبشيراً له وللمؤمنين، وإلا لو كانت الأحداث كما تدعي قريبة من الهجرة المدينية فأين بيعة العقبة الأولى والثانية فلو كانتا قد تمتا لما كان الرسول قال إنه رأى رؤيا لمدينة يهاجرون إليها ووصفها كذا وكذا، ولكن كان قد حسم الأمر وقال له تحديداً الهجرة للمدينة فأين سنة بيعتى العقبة؟ وأين كل الأحداث المعروفة والشهيرة السابقة على الهجرة؟، وبالمناسبة يا عمارة أحيلك لتأريخ الحدث فى سنين البعثة المكية من خلال فهرس الجزء الرابع من البداية والنهاية، وكالعادة سأتحفك بصورة طبق الأصل حتى أوفر عليك عناء البحث:



فليحكم عاقل من العقلاء بيننا، فهل رأيت يا أستاذ الأزهر البعد الزمني الذي سلسله ابن كثير بين الحدثين، بين عزم الصديق على الهجرة ورجوعه وبين هجرة المدينة؟، ولا شك أن كتاب البداية والنهاية مبني بالشكل الطبيعي المعروف من تسلسل تدوين الأنباء حسب أسبقية وقوعها، فانظر يا أستاذ الأزهر إلى الأحداث التى فرقت بين الحدثين وهم 21 حدثاً ميعادهم معروف وأوقات حدوثهم جلية مؤرخة بإجماع بين علماء التاريخ والسير، فماذا تقول يا عمارة في ذلك؟

8) ثم قلت إنني تناقضت في حساب عمر السيدة عائشة، قياساً على عمر الزهراء فاطمة ولعل استعجالك المتكرر قد أودى بك ألا تقرأ جيداً ما كتبته، فقد قلت أنا نصاً فى البحث:"وعلى هذه الرواية التي أوردها ابن حجر مع أنها رواية ليست قوية"، ثم قمت أنا بحساب العمر افتراضياً فقط على هذه الرواية، أنه أيضاً ليس تسع سنوات كما يدعي البخاري ثم ختمت مقولتي التي لم تقرأها جيدا بقولي:"وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الاضطراب الشديد في رواية البخاري".


أفهمت يا أستاذ الأزهر؟ أنا قصدت إيراد تلك الرواية لبيان اضطراب رواية البخاري فقط وليس للاستدلال.


9) ثم دخلت فيما لا يعنيك عندما حسبت أنت عمر السيدة عائشة قياساً على الزهراء، وأيضا رجحت ما عنَّ لك ووافق هواك البخاري وفعلت ما أنكرته علي أنا فلماذا يا عمارة كالعادة رجحت رواية فرق" الثمان سنوات" وبنيت عليها أوهامك، وما الدليل الذى رجحت به تلك الرواية يا أستاذ الأزهر فتقول:"يقول الذهبى فى السير: "وعائشة ممن ولد فى الإسلام، وهى أصغر من فاطمة بثمان سنين" (سير أعلام النبلاء 3/ 429). وتأمل هذا، وفى ترجمة فاطمة قال الذهبى: "مولدها قبل البعثة بقليل" (السير 3/ 417)، فإذا ما نظرنا إلى سن زواج النبى -صلَّى الله عليه وسَلَّم- من عائشة وكان قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً، وقيل بعامين، أضف على هذا السن عمر عائشة حينها وكان ست سنوات، فيكون المجموع 2 + 6 = 8 اطرح هذا من مدة الدعوة المكية 13 - 8 = 5، فإن هذا يعنى أنها ولدت فى السنة الخامسة من الهجرة، ويؤكد هذا المعنى ما ذكره ابن الأثير فى أسد الغابة (7/ 216) إذ ذكر أن النبى -صلَّى الله عليه وسَلَّم- زوج عليًّا من فاطمة بعد أن تزوج النبى ـ صلَّى الله عليه وسَلَّم ـ عائشة بأربعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وهذا يعنى أنه بنى بها فى السنة الثانية من الهجرة، فإذا ما اعتبرنا السن المذكور لفاطمة تبين لنا أنها ولدت قبل البعث بقليل كما ذكر الذهبى وغيره".


وأقول لك:

يا عمارة انظر إلى البلية الكبيرة التي قمت بها فى حساب عمر "فاطمة" لتصل إلى هواك فانظر يا أستاذ الأزهر:
قلت أولاً:" يقول الذهبى فى السير: "وعائشة ممن ولد فى الإسلام، وهى أصغر من فاطمة بثمان سنين" (سير أعلام النبلاء 3/ 429).

وأقول:

إذن بحسبة البخاري تكون السيدة عائشة مولودة في العام الرابع من بدء البعثة النبوية-وليس الخامس كما حسبت أنت- ومعنى أن السيدة عائشة أصغر من الزهراء فاطمة بثمان سنوات، معنى ذلك أن فاطمة ولدت -حسب كلامك- في العام الرابع قبل مبعث النبى أي عام 606 م وعائشة 614م-وأنا هنا ملتزم بحسبة البخاري وحسبتك- وأنا موافق على ذلك ولن أعارض ولكن انظر ماذا فعلت بنفسك بعدها فقلت:"وفى ترجمة فاطمة قال الذهبى: "مولدها قبل البعثة بقليل" (السير 3/ 417)"، وهنا بدأت المهزلة كيف يكون الأربع سنوات قبل البعثة بقليل وما معنى كلمة قليل فى نظرك، ثم تكمل وتقول:"فإذا ما نظرنا إلى سن زواج النبى -صلَّى الله عليه وسَلَّم- من عائشة وكان قبل الهجرة ببضعة عشر شهرًا، وقيل بعامين، أضف على هذا السن عمر عائشة حينها وكان ست سنوات، فيكون المجموع 2 + 6 = 8 اطرح هذا من مدة الدعوة المكية 13 - 8 = 5، فإن هذا يعنى أنها ولدت فى السنة الخامسة من الهجرة".

وأقول لك:

كيف تفعل ذلك بنفسك يا عمارة ورغم أن هذه الحسبة خاطئة بالكلية إلا أنني سأتركها لك هدية تلتف حول رقبة ردك فانظر بعدها ماذا بنيت على هذا فقلت:"ويؤكد هذا المعنى ما ذكره ابن الأثير فى أسد الغابة (7/ 216) إذ ذكر أن النبى -صلَّى الله عليه وسَلَّم- زوج عليّاً من فاطمة بعد أن تزوج النبى -صلَّى الله عليه وسَلَّم- عائشة بأربعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وهذا يعنى أنه بنى بها فى السنة الثانية من الهجرة، فإذا ما اعتبرنا السن المذكور لفاطمة تبين لنا أنها ولدت قبل البعثة بقليل كما ذكر الذهبى وغيره".

وأقول لك:

إذا كانت فاطمة ولدت قبل البعثة بأربع سنوات لأنها أكبر من عائشة حسب قولك أنت وليس أنا بثمان سنوات وعائشة ولدت في العام الرابع من البعثة على حسبة البخاري ونحن موافقون، ولكن إذا كانت السيدة فاطمة تزوجت –حسب حسبتك أنت- فى العام الثاني من الهجرة النبوية وتقول إنها كانت تبلغ خمس عشرة ونصفاً من العمر، فكيف ذلك يا أستاذ الأزهر فعمر فاطمة يساوي بحسابك 4 قبل مبعث النبى + 13سنة عمر الدعوة المكية + 2سنة فى المدينة فتصبح الحسبة لعمر فاطمة = 19عاما، فكيف تقول يا عمارة إن الزهراء كانت تبلغ 15عاماً، وحتى لو حسبنا بحسابك الخاطئ أن عائشة ولدت فى العام 5 من بدء البعثة وليس 4 إذن تكون فاطمة-لأنها حسب قولك أنت أكبر من عائشة بثمان سنوات - تكون فاطمة قد ولدت 3 قبل البعثة + 13فى مكة +2 سنة فى المدينة =18 عاماً أيضاً وليس 15عاما.

فانظر يا عمارة يا أستاذ الأزهر كيف فعلت بنفسك وضيعت التاريخ والجغرافيا والرياضيات لكى يعيش البخارى، ماذا فعلت بنفسك أمام القراء يا رجل؟


10)ثم ختمت ردك بما جعلني أقرض رثاءً على حال أساتذة العلم فى مصر فتقول إن نقلي من الطبري لم يكن معناه مولد عائشة فى الجاهلية بل الحديث عن الزوجات فقلت أنت نصاً: "فالحديث عن الأزواج وليس عن الأولاد، ويمكن أيضاً مراجعة تاريخ الطبرى ج 2 صـ 212 فى ذكر زواج النبى بعد خديجة، وهو يجزم بأن النبى بنى بها بعد الهجرة وكان عمرها تسع سنين".


وأقول لك:

ما هذا يا أستاذ الأزهر؟ ما هذا؟ تقول للقراء ارجعوا للطبري سبحان الله ها أنا أنقل نقل الطبري الذى لم تفهم معناه أنت ولكني أثق أن العقلاء من القراء سيفهمون من غير أصحاب الغرض والمرض، وأن آتيك كعادتي بالصفحة مصورة فالطبري يقول نصا:



والآن أشرح لك يا أستاذ الأزهر وأنا هنا أحكم العقلاء فقط والعالمين بالعربية، فأنت اعتقدت نظراً لهواك في عدم المساس بالبخاري، أن الطبري يتحدث عن الزوجات بمعنى أن الطبري يقول: "إن الأولاد الأربعة ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية"، فلو عادت التسمية على الأزواج لما استقام المعنى لأنه كان يكفي بعد أن ذكر أسماء الأزواج أن يقول: "من زوجتيه اللتين سميناهما في السابق"، ولكنه قال: "في الجاهلية" وليس المعنى أنه يقول: "اللتين تزوجهن فى الجاهلية" لأنه ذكر ذلك سابقاً، ولكن المعنى يستقيم لو تعلمنا العربية جيداً يا أستاذ الأزهر فهو يقول: إن زوجتيه التى إحداهما (أم رومان) التى ولدت له (عائشة وعبد الرحمن) وزوجته الأخرى ولدت له عبد الله وأسماء، يقول: "وكل هؤلاء الأربعة-يعنى الأولاد-ولدوا من زوجتيه التى سميناهما-التسمية هنا عائدة على الطبري أي أن الطبري سماهم وحددهم سابقاً في صفحاته السابقة، ثم قال: " فى الجاهلية " أي الأولاد الأربعة هم الذين ولدوا في الجاهلية"، بمعنى أن الجملة بدون تقديم وتأخير يقول فيها الطبري:"إن هؤلاء الأولاد الأربعة - التي منهم عائشة - ولدوا فى الجاهلية من زوجتيه اللتين سميناهما سابقا"، فهو قالها بالتقديم والتأخير هكذا:"فكل هؤلاء الأربعة من أولاده، ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما فى الجاهلية –أي الولادة هي التي تمت من زوجتيه في الجاهلية وليس الجاهلية هنا مقصود بها أزواج الجاهلية".

هل وصلت الفكرة يا أستاذ الأزهر؟ هل فهمت ماذا كان يقصد الطبري؟ فأين ردك العلمي إذن؟ ولماذا تعجلت فيه ؟ أقول لك أنا، حتى تكون أنت السابق بصون حمى وعرض البخاري، إذن حتى فى هذه أنت لست كذلك.


ثم يا أستاذ الأزهر لم أرك ترد على دليل الحديث الذى ذكرته أنا من بين الأدلة والموجود فى البخاري الذى سخَّرت حياتك لصون حماه وعرضه، فليس من الأمانة العلمية أن تغض الطرف والنظر عن الدليل الذى لايوافق هواك وتنبري للكتابة على الدليل الذي ظننته ليس صحيحا.

فالحديث فى البخاري وتقول فيه السيدة عائشة أنها كانت جارية تلعب عند نزول سورة القمر في مكة والمعلوم المتيقن بإجماع العلماء أن نزول سورة القمر كان فى بدايات التنزيل وقبل هجرة الحبشة فكيف كانت جارية تلعب يا عمارة؟ ألا لو أنها ولدت قبل مبعث النبي فما قولك ياعمارة؟
لماذا كتبت هذا الرد المتسرع؟ وليس هذا فحسب ولكنك لإكمال التدليس تركت الأدلة التى لم تستطع الرد عليها حيث مثلت لك صدمة كبيرة فتركتها وكأنك لم ترها, وما هكذا هي الأمانة العلمية يا عمارة يا أستاذ الأزهر يا مربي الأجيال فليس أمامك للرد على هذا الدليل إلا أن تختار من ثلاثة حلول.

الأول: أن ترد رواية البخاري عن سن زواج السيدة عائشة بالنبي.

الثانى: أن ترد رواية البخاري عن وجود السيدة عائشة جارية تعقل عند نزول سورة القمر.

الثالث: - والذى أرشحه لك حيث لا تستطيع أن ترد البخاري - أن تعتذر عن الرد الذى كتبته وتعاود البحث مرة أخرى. أوأنكم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض.


ألم أقل لك إن دأبك وهمك أن تكون أنت السباق تكون بصون حمى وعرض البخاري، ولذلك يشرفنى أن تحمي أنت حمى البخاري، وأذب أنا ومن معي- وأنا أقل بكثير من ذلك - عن حمى وعرض وشرف النبي والنبوة.


الخلاصة:
حسب بحثى المقدم والذى لم أر منك عليه أى رد يا أستاذ الأزهر.
فالنبى تزوج السيدة عائشة وهى فى الـ"18" من عمرها ولو كره الكارهون.
إسلام بحيرى